وتمثالٌ نصفيٌّ أسوأ

مـن القـصرِ المُـملِّ إلى الكـوخِ ذي القـذارة
يكونُ البعضُ شيطاناً ومن ثمَّ يكتب رواية!
(اللورد بايرون)
كنجومٍ؛ هكذا يضيئون فجأة، ولشدة ما يسطعون؛ تضطر أحياناً لتحمي عينيك من شدّة الوهج، لكن مهما طال أمدُ الضياء، سيأتي يومٌ، وغالباً ليس بعيداً، لا ينوسون رويداً رويداً وحسب، وإنما يكون الأمر من الشدّة كالانطفاء، وكأنه لم يُضيء يوماً..
هكذا هو المآل للباحثين عن الشهرة في مختلف صنوف الإبداع، بل وفي مختلف مناحي الحياة، بما في ذلك (الحالات الفضائحية)، أي حتى أولئك الذين يتوسلون الفضحية – وما أكثرهم – لأجل الشهرة وحسب، أو ما اعتبرت في التصنيفات النقدية (الستار) أو النجومية، وأمسى (التنجيم) غاية الكثيرين.. لكن وفي سلسلة الأسماء الذين سعوا إليها، كان الأمرُ يتمُّ لزمنٍ يبدو من القصر والتكثيف، حتى يُنسى ضوأه تماماً..
ولعلّ في سيرة جورج غوردون بايرون (1788- 1824)، أو (لورد بايرون)، أحد لوردات بريطانيا، ومن أشهر شعرائها في القرن التاسع عشر؛ ما يُشكل ظاهرة تراجوكوميدية للشهرة، بايرون الذي عاش ثرياً ومات شقيّاً بالحمّى في عمر الـ(36) سنة بعيداً عن وطنه في اليونان حين كان يدعم كفاح اليونانيين لنيل استقلالهم عن الحكم العثماني.
وفي التصنيف النقدي؛ يُعتبرُ بايرون أحد أقطاب الحركة الرومانسية في بريطانيا في القرن التاسع عشر، بل ويُعد من بين أكثر شعرائها راديكاليةً. حيث ذاع صيته الشعري بقصائده العاطفية الكئيبة ورواياته الشعرية الميلودرامية، وبإطلاقه الشعر الساخر في مواضيع عدّة. إضافةً للكثير من الأقاصيص الشعرية المُسمّاة بـ (الحكايا الشرقية) والتي قدّم في كلٍّ منها شخصية النذل الخارج عن القانون.
وبايرون رغم أنه يحمل رتبة (اللورد)، والسليل لعائلة تتمتّع بثروات كبيرة، إلا أنه كان ناقداً للطبقة الارستقراطية في بريطانيا و كذلك للأوضاع السياسية والاجتماعية في أوروبا بشكلٍ عام. وقد انعكس نقده ورؤيته هذه في أشعاره الساخرة حيث يتجلّى تمرده على التقاليد وهجائه لشعراء عصره وتهكمه حتى من الشهرة الأدبية ذاتها، ومِن ذاك الذي يسعى لنيل أوسمتها وأكاليلها ليضعها على جبينه المتغضِّن متفاخراً بها أمام الناس، ويقابل بايرون ذلك بالشباب والحب على أنه أسمى مجد يساوي كلَّ نياشين الشهرة، حيث يقول مُتسائلاٍ عن نهاية الشهرة في مأثرته (دون جوان) إنها ليست سوى “اسم، وصورة بائسة، و تمثالٌ نصفي أسوأ”.
آه، لا تحـدّثـني عـن شـهـيـرٍ عـظـيـم السـيـرةْ
فـأيّــام شـــبابـنـا هي أيـام مـجـدنـا الأثــيـرةْ
ريحان ولـبلاب الإثـني والعـشـريـن الـنـضيـرةْ
تـعـادلُ كـلّ أكـالـيـلـكَ، مـهـمـا تـكـن كـثـيـرةْ

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار