البيئة الثقافية

ربما تختلف أسماء القرى وأماكنها، خاصة إذا ما قارنا بين تلك التي تكون قريبة من المدينة – والتي ستصبح من أحياء المدينة لاحقا ً- من جهة، وتلك الأبعد – والتي ستحتفظ ببعض السمات من شخصيتها الاجتماعية إلى حين أبعد من الأولى- إلا أننا نلاحظ ما يشبه ظاهرة متعددة على اختلاف الأسماء والأماكن.
بين قريتين تكون إحداهما ذات لون واحد أو طيف واحد على تنوعه (العرقي، الفكري، الديني، وحتى السياسي)، وقرية مجاورة لها لكنها متنوعة الألوان والأطياف، بين هاتين القريتين سنجد درجة التطور الفكري والثقافي عند المتنوعة أكثر من تلك “وحيدة اللون”، وصولاً إلى تطور في العادات والتقاليد، في دلالة واضحة على حركة الحياة التي أوجدت بيئة أكثر فاعلية.
أجمعت قواميس اللغة على أن مفردة بيئة: هي المكان الذي تتوافر فيه العوامل المناسبة “لمعيشة” كائن حي أو مجموعة من الكائنات، ثم أُلحقت مفردة البيئة بتنويعات اصطلاحية تشير إلى مختلف أصعدة الحياة، كالبيئة الاجتماعية، والبيئة الطبيعية، ما يجعل مفردة “المعيشة” أضيق من حيث الدقة لأن المعيشة تعبر عن الأشياء الضرورية للعيش، ولا تشمل “الحياة” الأوسع، فيصبح لدينا بيئة ثقافية مثلاً، لأنها من شؤون الحياة وليست من شؤون المعيشة !.
والبيئة الثقافية سواء كانت مُدْرَكة أم لا فهي تتطلب التنوع الذي تمتلكه البيئة، وترفض اللون الواحد الذي لا يؤدي إلى تطور بقدر ما يؤدي إلى العقم الفكري.
كما تفترض البيئة وجود استقرار على صعيد والتطور على صعيد، ذلك أن الاستقرار حاجة مطلوبة للإنسان والمجتمع، دون أن يكون حالة دائمة، ففي الاستقرار الاجتماعي مثلاً يمكن الحصول على التطور الفكري، خاصة لجهة فهم الاختلاف، بل والسعي إليه، من حيث أهميته، وليس اختلافاً لأجل الاختلاف فقط.
على هذا الأساس لا بد من تنقية الدعوات الوحدوية والتي جعلتنا من أجل إظهار صورة أكثر نصاعة “من وجهة نظرنا” نغفل الاختلافات وندّعي عدم وجودها، بينما كان علينا في الحقيقة تفعيلها لتكون بيئتنا الثقافية أكثر حيوية، ولا نستسلم ليكون العقل مرتاحاً للشعارات الفضفاضة، فيتاح المجال للحراك الفكري الذي هو الحراك الحقيقي في المجتمع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار