وفهمكم كفاية!

سينتابك الفزع؛ عندما تسمع أن عدد الطبعات من رواية الياباني (تاكوجي إيشيكاوا) على سبيل المثال وصلت إلى عشرات الطبعات، وملايين النسخ، وإن كتاب (هاري بوتر) الذي جعل من صاحبته (ج. ك. رولينج) ليس أغنى كاتبة بين الكتّاب، بل بين الأغنياء في العالم.. وحين كان يصدر جزء من أجزاء هاري بوتر؛ كانت تتشكل “طوابير” أمام دور النشر والمكتبات التي توزع الكتاب للحصول على نسخة.
رواية تصدر بملايين النسخ، وطوابير تتشكل للحصول على نسخة من كتاب؛ حقيقة هو أمر يُثير الفزع عند الكاتب العربي الذي يصل في أحسن مستوى لحظوظه إلى عتبات الألف نسخة توزع في الغالب على الأصدقاء المقربين بالمجّان، وربما على بعض الصحفيين والإعلاميين والنقاد المُهتمين لعله يحظى بحفاوة إعلامية ونقدية ما!
أما أن يكسب الكاتب العربي من نتاجه الإبداعي؛ ربما باستثناء كتّاب السيناريو والحوار لمسلسلات الدراما التلفزيونية والسينمائية والعروض المسرحية، فإن الكاتب العربي (شاعر، روائي، قاص) سيموت جوعاً إذا ما فكّر بانتظار مردود مادي من نتاجه الشعري والقصصي والروائي، ولذلك تراه غالباً يشتغل بمكان ما، عاملاً أو فلاحاً، أو بستانياً، ومزارعاً، وربما قد يكون صحفياً أو مترجماً أي في مجالات قريبة من الكتابة.. وحتى كتّاب السيناريو والحوار حيث النص هو اللبنة الأولى لإبداع يقوم على جهد الفريق، كالمسلسل التلفزيوني، أو الفيلم السينمائي، والعرض المسرحي؛ فإنّ الكاتب هنا، وإن جنى بعض المال غير أنه سيخسر ما كسبه الشاعر، أو الروائي معنوياً من شهرة، وحتى من صفة كاتب، ذلك أن السيناريست، أو الكاتب المسرحي في مثل هذه الأعمال؛ هو آخر ما ينتبه إليه في (شارة) المسلسل، أو الفيلم، وحتى في (أفيش) الفيلم والبروشور، سواء لجهة القارئ أو المتابع لمثل هذه الفنون البصرية، وحتى إعلامياً، لأن مُتابع أعمال كهذه آخر همه من قام بالكتابة، رغم أن العمل الإبداعي هنا يقوم برمته على النص، حتى لو كان النص من فنون الإيماء والحركة، بل إنّ المحنة قد تكون مُضاعفة عند الشاعر الغنائي الذي يُقدّم نص الأغنية، فغالباً ما ينسى كاتب الأغنية مع مرور الوقت لصالح خلود المطرب أو المُغني، وإن كان هنا يتشارك الكاتب مثل هذه المحنة مع المُلحن.
محنة الكاتب في العالم العربي؛ إنه بلا قراء، ولا يغرنك الحالة الشعبوية الثقافية التي حصلت على وسائل الميديا الجديدة، فوسائل التواصل الاجتماعي وقعت بما كانت تقعُ فيه وسائل الإعلام التقليدية من الدوائر المُغلقة التي كانت تُغلق على الكتّاب في مختلف مشاربهم الإبداعية، بمعنى إن جمهور الكاتب هم الكتّاب أنفسهم، وربما تضيق أكثر لـ”شلة” من الكتّاب تقرأ لبعضها ما ينتجه أعضاؤها، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي من يقرؤون الإبداع الشعري والقصصي، باعتبار من الصعوبة نشر وقراءة رواية على الفيسبوك؛ هم لا يتجاوزون المئات، بمن فيهم متابعو النتاج الإبداعي النسوي، باعتبار ربما يقرأ العربي للكاتبة أكثر من الكاتب، والذي يدخل هنا من باب “التطبيق” العاطفي، أو التلصص على حياة الكاتبة السرية من خلال ما تكتب، وربما من هنا نُفسّر تشكيل المجموعات الأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تقرأ وتنشر لأعضائها.
باختصار محنة الكتابة في العالم العربي؛ إنه لا يزال عدد القراء أقل بكثير من عدد الكتّاب، وفهمكم كفاية!ٍ

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار