«فلاشة» الجيران

كانت الكهرباء مقطوعة لكنّ موجودات غرفتي كلُّها بدأت تهتزُّ مع مضخّمات الصوت وهدير الموسيقا القادمة من بيت الجيران الثالث أم السابع أم العاشر لم أعرف بدقّة لأنني أنا أيضاً كنت مثل الفأرة «جيري» «أنخَبِطُ» بالسقف ثم بالأرض ثم أتدحرجُ مثل «طابة بينبو» بين مضربين، بينما «توم» «يُقرقع» ويُجلجِل و«يُخشخش» بموسيقاه المجنونة ومزاج أغاني الكراجات.
قلت في نفسي: لا بأس، الناس بحاجة للفرح في هذا الزمن المُرّ، والتأقلمْ مع الحدث خيرٌ من السباب والشتائم وعقد الحاجبين وحمْل الهمّ.
لكن ما إنْ جهّزت «كرشي» – بما أنه ليس لديّ خصر إليسار الجهنمي- للرقص على إيقاع «سُكّر مِحلّي محطوط على كريمة» بحلاوتها وسلاسة لهجتها المِصرية، إلا وبعد أقل من دقيقة وقبل انتهاء الأغنية، انتقلت المقطوعة إلى أم كلثوم وهي تبوح وتنوح:« كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كلّو» فتفجّرت ينابيعُ عواطفي الدفينة و«كرَجَتْ دموعي كرْج الماء وكرَجَ قلبي وراءها», لكن أيضاً لم ألحقْ أنْ أستحمّ في «مغطس» العواطف الرومانسي هذا إلا وصفعتني موجةٌ من قرع الطبول على أنغام «عرَبْ عرَبْ» فبدأتْ قدماي تدقّان الأرض بحزمٍ وعزمٍ وحميّة مع الكلام المُباح المتطاير من شفتيّ«سارية السواس الكرزيتين», وهي تُغنّي «حاجي وجع يا شرياني».
وهكذا عشتُ تقلّبات الفصول الأربعة في حنايا جسدي خلال أقلّ من نصف ساعة، ومع كل «الدجّ» و«الرجّ», والسيول العاطفية والتأملات الروحانية كانت فكرة عنيدة تضيءُ وتنطفئ مثل «نيونات الإعلانات» وسط العتمة الشفيفة في غرفتي وتقول لي: إن ما نعيشه من استراتيجياتٍ وخطط تنموية ومشاريع خدمية وتحضيرات استباقية للكوارث المتكررة صيفاً وشتاءً بلا نهاية, تشبهُ «فلاشة» الجيران «الملعلعة» بمكبّرات الصوت الفادحة من دون أي نتيجة واقعية تفرّح القلب.
بينما استمرّ رأسي يتمايل حسرةً مع موال سارية الجارح: «ويلي لبْكي على الخلّان وقول يا حيف/ واصرخْ من صميم القلب يا حيف/ المهرة الـ ما إلها خيّال يا حيف/ تعضْعِضْ عَ اللجم حين الطلب».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
خلال تأديته اليمين الدستورية رئيساً لولاية جديدة.. الرئيس بوتين: روسيا ستستمر في تشكيل عالم متعدد الأقطاب مجلس الشعب يبدأ أعمال دورته الـ 12.. عرنوس يقدم عرضاً حول ما نفذته الحكومة خلال الفترة الماضية.. صباغ: العمل في مجلس الشعب والحكومة متكامل كل حسب دوره اتحاد الكتاب العرب في سورية ينعى رئيس الاتحاد الأسبق الدكتور نضال الصالح حرفيو درعا يطالبون بمدينة صناعية واستكمال المناطق الصناعية المقررة وتخفيض الضرائب مجلس الوزراء يناقش مشروع صك تشريعي بمنح طلاب الدراسات العليا في كليات الطب تعويض طبيعة عمل 100 بالمئة مرسومان يقضيان بإنهاء التعيينات السابقة لأعضاء القيادة المركزية الجدد رفح وورقتها الخاسرة .. مشهد مفتوح على جميع الاحتمالات.. كيان الاحتلال يسير بمحوره على حافة الهاوية: «هذه حدود قوتنا» مشاركة سورية في بطولة اليوم الواحد لأم الألعاب موجة برَد تسبب أضراراً زراعية كارثية في أرياف حمص وطرطوس واللاذقية حماة تتصدر بطولة الجمهورية بالشطرنج