ريادة جبران

كانت المرحلة العمريّة التي قرأنا خلالها جبران خليل جبران مسؤولة عن الحيف اللاحق الذي التزمه جيلنا تجاه إنتاجه الثر المتنوّع الذي تضمّن ابتداع أشكال أدبية, وافتتاح ميادين جديدة للإبداع لم تكن موجودة من قبل, كان ذلك في مطلع ستّينيات القرن المنصرم، وكنّا على وشك الدلوف في مرحلة الشباب الأوّل، وكانت قراءة جبران – من وجهة نظر الأهل ونظر المدرّسين- قراءة آمنة بالمعنى الشائع للعبارة؛ فلم تكن مؤلّفاته المتاحة تعالج قضايا سياسيّة «خطيرة» ولم يكن تناوله للحبّ مسفّاً في تناوش الجسد الإنساني بحسب مقتضيات حال الحبّ بين الرجل والمرأة, وغاب في تلك الآونة عن قائمة المطبوعات «الجبرانية» مقالاته الكثيرة التي تناول فيها قضايا سياسية مباشرة وقضايا فنّية مثيرة للجدل وفتح الشهيّة باتّجاه الحوار.
كانت شعبية «الماركسية ونظرية النسبية» قد بلغت ذروتها في منطقتنا، وكان الاتّجاه الواقعي في الأدب والفنون هو المنعكس الفعلي لتلك الشعبية التي اكتسحت معظم الشريحة القارئة في المنطقة, بحيث صار الحديث في المسائل التي تثيرها مؤلّفات جبران حديثاً متّهماً بالسذاجة والنزوع الطفولي، مقابل الحديث عن الديالكتيك والمادية التاريخية، والنسبية وغيرها من المسائل التي كان المتقوّلون فيها وعليها لا يفقهون عنها ما يلي عناوينها الكبرى. كانت الهجمة ضدّ الرومانسية التي أطّرت قسماً وازناً من مؤلّفات جبران هجمة شرسة بأدوات تبيّن لاحقاً أنّها لم تكن أدوات ثقافية، بل كانت أدوات سياسية مباشرة مارس مستعملوها ما يشبه الإرهاب الثقافي ضدّ الآخر بإطلاق دلالة الآخر.
ما يقتضي توكيده بخصوص مؤلّفات جبران ذا شقّين؛ يتعلّق الأوّل: بمواقفه السياسية إزاء القضايا العربية التي وقف منها موقفاً مشرّفاً على الرغم من التناقضات التي تنتاب فكرة الانتماء لديه، فهو يعلن أنّه سوريّ في معظم الرسائل والمقالات ذات الطابع السياسي، ويعلن أنّه لبناني, وأنّه عربيّ أيضاً, وفي مقالات أقلّ يعلن أنّه مشرقيّ أو إنساني الانتماء. ويتعلّق الثاني: بالأشكال الفنّية التي كان ابتكارها يتطلّب شجاعة قصوى وشكلاً من أشكال الانخراط في المغامرة الفنّية التي تصبّ في اتّجاه المجهول الذي استقطب معظم الطاقة الإبداعية لذلك المبدع الذي لم يستطع أن يبتدع صيغة لامتداح الكرم في العالم المعاصر مثل هذه الصيغة العذبة, في الوقت الذي يتكالب فيه أبناء عالمنا جميعهم على تبادل النهب والنهش, دونما أي رادع أو حساب، تحت شعار تقديس المصلحة ونسبيّة القيم, يقول جبران: «لولا الضيوف كانت البيوت قبوراً».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مجلس الشعب في ذكرى ميسلون .. سورية استطاعت تحقيق انتصارات عظيمة في وجه الحروب والحصارات المتعددة الأشكال سورية تدين اتهام الاحتلال لـ«أونروا» بالإرهاب وتؤكد أنه يأتي ضمن محاولاته لإنهاء دورها وافق على تأمين 5 آلاف طن من بذار البطاطا.. مجلس الوزراء يعتمد الإطار الوطني الناظم لتبسيط إجراءات الخدمات العامة 1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟