النواميسُ الدوليّة
اختتمت لجنةُ مناقشة الدستور، وبمشاركة الوفد الوطني, أعمالها في جنيف، وما بين آخر توقيتين لاجتماعاتها وتداعيات إصابة بعض أعضائها بالكورونا، وقبلها حالة التوقّف بسبب هذا الوباء، شهدت الفترة الزمنية سيلاً من التطورات، أكثرها قسوةً كان رزمة «العقوبات» الاقتصادية الجائرة التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الدولة السورية مؤسسات وأفراداً، وقد جاءت هذه «العقوبات» بعد تفعيل ما يسمّى «قانون قيصر» الإجرامي كأحدث فصول الإجراءات القسرية اللاإنسانية التي تمنع الغذاء والدواء عن الشعب السوري في انتهاك صارخ للقوانين الدولية والإنسانية، وفي ظلّ هذا كلّه واستمرار انتهاكات الاحتلالين الأمريكي والتركي للسيادة السورية وجرائمهما بحق المدنيين في الشمال السوري، كانت اجتماعات جنيف.
إن هضم الحقوق السورية البدهية في الجغرافيا والسياسة والسيادة هو عملٌ مستمرٌ بتأثير القوة والعنف الدوليين، وفي محاولة “لاختراق” الانتصارات السورية كان العمل على إطالة أمد الحرب الإرهابية على سورية “للتأثير” في الذّات الوطنية السورية، سياسياً واجتماعياً، وجعلها تقبل بأي شكلٍ من أشكال الحلول السياسيّة!
لكن السوريين الذين تسلّحوا خلال هذه الحرب بالوعي الاجتماعي والسياسي لا يمكن إجبارهم بأيّ شكل من الأشكال على التنازل أو التفريط أو المساومة على الحقوق التي ثمنها أرواح شهداء كثر.. ولن يسمحوا أبداً باختراق انتصاراتهم.
والشعب السوري الذي عاش الحرب على بلاده وهو مدرك أنها انتقام منها لدورها المحوري في المنطقة لن يسمح أبداً بالتفريط بأي مبدأ وطني، وسيبقى مثابراً على إحباط الأجندات الخارجية التخريبية الرامية إلى زعزعة استقرار الدولة السورية وتقويض مؤسساتها، وكذلك منع المساس بها أو إحلال الفراغ المؤسساتي والفوضى بديلاً عنها، ولن يسمح بالمساس بالثوابت الوطنية والجغرافية والتاريخية والاجتماعية، ولا حتى السياسية أو الديموغرافية السورية، وهي الثوابت ذاتها التي تسلّحت بها سورية وجيشها وقائدها وشعبها، الشعب الذي ضرب مثلاً استثنائياً بصبره الوطنيّ وتضحياته في سبيل الدفاع عن الذات وعن الوطن وعن الآخرين والعالم، لأن الإرهاب الذي يمارس عليه اليوم هو إرهاب يهدّد العالم أجمع، ولن يسمح هذا الشعب لأحدٍ أياً كان بأن يقرّر مصيره أو شكل وجوده أو يمسّ سيادة دولته الوطنية، ولا أن يمارس الهيمنة عليه تحت أي مسمّى أو عنوان.
إنّ الشعب السوري وحده هو المسؤول عن اختيار طريقة عيشه وصياغة دستوره وتفعيل حكوماته الوطنية على النحو الذي يراه هو فقط صحيحاً، وليس كما يرى الآخرون.
إن جنيف مستمرٌ، بأعماله أو تعطيل اجتماعاته نظراً لإصابة بعض أعضائه بـ«كورونا»، وأيا تكن مناخاته ومخرجات اجتماعاته التي لا تزال تشي بأن ثمة أيادي تسعى سعياً محموماً للبحث عن أيّ استدارةٍ أو ثغرة يمكن أن تحقّق من خلالها مساومةً سياسيةً لتمرير دستور يحقق لها ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً، في وقت لابدّ فيه من تأكيد أن أخبث الأدوار الإرهابية الوظيفية وأكثرها قذارةً أنيطت في الحرب الإرهابية على سورية بالنظام التركي الذي مازال يزرع الفخاخ، ولم ولن تردعه عن ارتكاب جرائمه أو تردع غيره القوانين الدولية ولا النواميس العالمية.