العنقاء في الحاضر

لم تعد أزمة المنظومة المالية الرأسمالية في الحاضر في مكان السر بين سكان الأرض قاطبة، فقد باتت تبعياتها، وانعكاساتها المادية والروحية على جميع مناحي الحياة تملك من الوضوح القدرة على أن تفضح ذاتها على أي مفرق يعدها بالخلاص من الموت المؤكد، ولم يبقَ- الآن- سوى الإعلان الصريح عن موعد الدفن .
موت المنظومات الاقتصادية، الموازي لتبدل ثوب نمط الإنتاج بشكل دائم عبر العصور حالة إيجابية تقر بها صفحات التاريخ، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في البديل الشاب القادر على دفن السلف، وتقديم نفسه كنمط حديث قادر على إنقاذ الشريان البشري من الجفاف الخفي الذي يرافق بالعادة المراحل الأخيرة من الشيخوخة .
لا وجود لليأس في مسيرة الإنسان فوق أرض غربته، أيضاً، تقر صفحات التاريخ بتلك الحالة العدمية لليأس، والذي يحاول الخروج منها، وإثبات وجوده بين الأفراد أثناء فترة التحولات الكبرى، وهذا ما سوف يشكل الحافز الرئيس للبحث عن حلول شابة وجذرية تضع حلاً سريعاً لحالة انهيار الثقة بالحياة قاطبة، في الوقت ذاته تحاول النخب المسيطرة استثمار اليأس بقصد تغيير ذهنية العنقاء، لصالح تمديد شيخوختها، وهو الصراع الذي نشهد تبعياته في الحاضر، هو صراع الحياة للدفاع عن طموحها الأزلي .
مستثمرو اليأس المنقب لم ييئسوا -إلى الآن- من السعي لتمديد فترة شيخوختهم بإحداثيات شتى، منها الاشارة إلى أن العالم المعاصر يحتاج إلى تكريس المنجزات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والإبداعية والقانونية لعصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإن غياب تلك المنجزات عن بعض الجغرافيات التقليدية فوق الأرض هو من فجّر تلك الصراعات والحروب الإقليمية، وجعل الموارد الطبيعية تخشى النضوب، باختصار, مازالت توجهات المال تحاول إبعاد التهم عنها، وتعزيز براءتها بتقديم القروض والمنح للمجتمعات المتضررة بالعلن من هذا النظام المصرفي، بينما في الوقت ذاته هو من يمنع الأوراق النقدية المحلية من قدرتها على خلق ذاتها من العدم في تلك الدول اليائسة من مصيرها, بمعنى آخر إن الرأسمال العالمي في الآن، واعتماداً على القانون النقدي المصرفي لعصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، هو من يفجر تلك الأزمات، وأمراضها المميتة، من خلال ربط النقد المحلي لأي دولة، بعملة عالمية (مولودة في الأصل من العدم!!) مع علمه الأكيد أن استقلال النقد المحلي عن العالمي، وتحفيز الدول على تحقيق اكتفاء ذاتي لتكون قادرة على خلق نقدها من العدم هو الحل، ليس لإيجاد مشروع رفاه وسلام دائم ، وإنما، أيضاً، لإنهاء أمراض العنقاء الرأسمالية بشكل كامل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار