تعتمد الإمبراطوريات في طور شيخوختها على التحالف مع “مال الريع” بشكلٍ رئيس، ولأن هذا النمط الاقتصادي لن يمتلك في برامجه أجندة واضحة تسعى إلى تسخير تلك الثروات لمصلحة التنمية البشرية، فإنّ أي منتج قائم، أو في طور الولادة سوف يكون من ضمن قائمة الاستهلاك الآني والسريع، ما يجعل من المجتمعات كتلة دائرية تركض بفوضوية مقنعة نحو الربح السريع الضامن للخلاص الفردي، بعيداً عن أي قيمة أخلاقية أو قانونية كانت في السابق قادرة بالمطلق على تماسك المجتمع وتطور بنيته الاقتصادية والثقافية من داخل خارطته الطبيعية،الميتافيزيقة والوضعية على حدٍّ سواء ..
الانفتاح البارع الذي تشهده البشرية الآن برعاية “رأسمال الريع” خلق ثغرات مؤلمة داخل الروح الإنسانية قوامها بالدرجة الأولى حالة الاغتراب التي نعيشها اليوم. هذا الانعكاس الواضح بدأ يروج بالعلن إلى أنه في منأى عن أي احتمال لمقاومته، وخاصة بعد أن أستأثر بالفن، عدوه اللدود، وجعله عبداً مطيعاً إلى ما يسعى الوصول إليه، باختصار ما يسعى له “مال الريع”هو صهر العالم في بوتقة العبودية المطلقة، وجعلهم تحت سلطة واحدة غير مرئية تأمر من خلال أجهزتها الإعلامية فتطاع حتى لوكان الهلاك المؤكد هو الغاية التي تنتظر الجميع !!.
– يؤثر الفن بجميع أنساقه المقروءة والمرئية عند نهاية أي مرحلة وفي بداية أي حقبة تاريخية على مسيرة البشر وتطلعاتهم غير الناضجة، أو التي لم تستقر على أجندة واضحة تمتلك صفحتها الطمأنينة على المستقبل الذي ينتظرهم، وأيضاً عند التغيرات الثقافية الكبرى، أو التأثر بثقافة وافدة ..
سؤال الفن الآن هو: كيف يستطيع أخذ دوره الإيجابي ومئات السكاكين المالية تقطعه في كل لحظة ؟!! . كيف يأخذ دوره في تطوير قدرات المخيلة الإنسانية وشحنها للسعي الدائم نحو الخلاص ؟!!. كيف يأخذ دوره في تطوير الأفكار والرؤى غير الناضجة وجعلها بشكلٍ دائم صبية جميلة تمتلك هاجس تكوين أسرة جديدة قوامها الحب والاستمرار في غواية الحياة لتكون تحت إمرتها المؤنثة ؟!.
كيف، ولماذا، وإلى متى؟ هي أسئلة مطالب الفن بالإجابة عليها، والبرهنة على صحة أجوبته بشكلٍ مستمر، أما في حال أحالها الفن إلينا، نحن المحكومون بقيم الاستهلاك، والتبدلات السريعة والطارئة، والغربة المالكة لأبواب مشرعة تنتظر فرائسها على الدوام ، فهذا دليل آخر على أن الفن تجاوز الأزمة ليقع في حانوتية الاحتضار !!..