زَلَّة ثقافيّة

موعدي مع صفحة عرض الكتب في الجريدة الأسبوعيّة، لم يفُتْ يوماً، فإن كان الكتابُ مقروءاً قبل ذاك، حظيتُ بقراءة جديدة بصوتٍ آخر، وإن كان جديداً أخذني إليه بشوق ورغبة تمهّد للبحث عنه واقتنائه، أتحسُّس معابره التي مشى فيها القارئ وأقتفي أثَره وأستعيد أهمّ ما استوقفه من منشآتٍ ظاهرة ومضمَرة!
كانت الجريدة التي تصدر في عاصمة عربيّة تتفاخر بصحافتها المتنوعة وأقلامها اللامعة وفضائها الواسع، تصلني بانتظام وفي داخلي شعورٌ بأنني أميّز نفسي بقراءتها، لأن القراءة «الثّقيلة» التي تعتمد الكتاب وحدَه لا تغني عن قراءة الصّحف، فلكلّ قراءة منهما مقامٌ لا يغني عن الآخر، وحصل أنني عقدتُ صداقات عميقة لكن من طرفٍ واحد، مع كتّاب أعمدة ونصوص ومحاوِرين، وما مِن صداقة تنشأ إلا من الثّقة التي تعطي الاطمئنان لحظةَ تسليم القلب والذّهن والانتباه، وها أنذا أستلم السّطر الأوّل من مقالٍ لشاعر عن كاتبة جنوب أفريقيّة، يعرض روايةً حديثة لها، وفي مقاربته هذه، يأتي على تفاصيل من حياتها، كأنّه يعرف شغفي بالأسماء الجديدة والعوالم الأدبيّة الآسرة التي تأتي بها الجغرافيا، وتتجاوزها الترجمة إلى اللغة العربية، وفي مكان ما، بعد القراءة، سأسعى إلى استخدامها في البرنامج الإذاعيّ« شخصيّات روائيّة » ولكم كانت دهشتي التي تحوّلت إلى صدمة ثم ذهول، كبيرةً، حين اشتريت الرّواية التي عرضها الشّاعر في صفحة الجريدة، ولم تكن للرّوائيّة التي ذكرها بل لكاتبة أخرى، بينما تكشّفت أحداثها عن شيء آخر لا علاقة له بالأحداث التي سردها وحبكها بطريقته، وبقي اسمه يتردَّد في خاطري، خاصّة حين أقرأ خبراً عن أمسية له أو ديوان شعريّ، وحالي يشبه معرفة متّهم لا أحد يقاضيه، ولا أحد يستدعيني شاهدةً عليه! لكنّ الأقدار ساقتني ذات يوم بشكلٍ تراجيديّ إلى مبنى الجريدة ومكتب رئيس التّحرير الذي كنت منبهرة بقلمه واسمه هو الآخر، فوجدت الفرصة مناسبة لسرد الحكاية عليه بأسلوب سؤال: كيف يحصل هذا مع صحفيٍّ يترك وثيقةً تحمّله مسؤوليّة؟ لكنّ الرّجل لم يغيّر جلسته المسترخية ولم تتبدّل نبرة صوته حين وصلت القهوة وقدّمها لي وللصّديقة التي جمعتني به، وحين ألحّت هي بفضولها، التفت إليّ قائلاً: اكتبي عن هذا فربما يجيبك هو بنفسه، وأردف يبشِّرني: نحن لا ندفع لضيوف صفحة الثّقافة لأن توقيعهم عندنا، هو تكريمٌ لهم عند قرّائنا الواسعين!
في الفضاء الثّقافي زلَلٌ أيضاً، ما كنت أتخيّل يوماً أنني سألمس بعض طحالبه، لكنني فعلت، وسيتكرّر ذلك للأسف مرّات ومرات..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار