التفريق بين فلسفة اللغة ولغة الفلسفة، ورد في كتاب أندريه جاكوب (أنتربولوجيا اللغة) المنشور في القاهرة ضمن المشروع القومي للترجمة، وعلى الرغم من الرداءة الفجّة للترجمة فإن قراءة الكتاب تسترعي ضرورة إخضاع الكتاب لترجمة دقيقة تحترم النصّ الأصلي، وتحترم المتلقّي الذي يحقّ له أن يقرأ كتباً خالية من الأخطاء الفادحة على مستويات عديدة تنتاب بناء الجملة العربية وسلاسة التعبير، والعبث غير المحسوب بقواعد اللغة، بالإضافة إلى كثرة الأخطاء الطباعية التي تنفّر القارئ، وتمنعه من متابعة القراءة منذ الصفحات الأولى في الكتاب.
يثير وجود الكتاب بنسخته العربية مسألتين مهمّتين، تتعلّق الأولى بتنبيهنا إلى ضرورة البحث في هذا المجال المتمتّع بخصوبة شديدة، فالكتاب معنيّ بفلسفة اللغة الفرنسية، مع انفتاحه على الأبحاث التي اشتغلت على اللغتين الألمانية والإنكليزية. والواضح أنّ لغتنا العربية لا تزال تنتظر من يشتغل على فلسفتها وتطويرها والنظر في مختلف شؤونها؛ مع الانتباه إلى أنّ بعض الفقرات التي ضمّها الكتاب الفرنسي المترجم كان فقهاء اللغة العرب الكبار قد تناولوها منذ ما يربو على ألف عام كالأنشطة اللغوية التي أجراها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبو علي الفارسي، وابن جنّي وغيرهم من الأعلام الكبار الذين ندين لهم بوجود لغتنا وقدرتها على مواجهة العصر الراهن، ومواجهة الدعوات التي يعلو بعضها – أو معظمها – بلسان أبناء العربية من أجل تجاوزها بوصفها لغة قديمة أكل الدهر عليها وشرب، واستبدالها بالإنكليزية أو بالحري (الأمريكية) على ما يحدث بأصوات وقحة عالية صاخبة في معظم بلدان الخليج, وسواها أيضاً، بما في ذلك سورية. غير أنّ الأنشطة والدروس التي جرت في خانة فقه اللغة منذ ألف عام لا تكفي, ولا تستطيع صرف انتباهنا عن النقص الفادح الخاصّ بافتقارنا المعاصر إلى البحث في هذا الميدان الخصب كما أسلفنا.
وتتعلّق الثانية بالموقف السياسي الذي يندرج, عبر غير طريقة, بالموقف العنصري الغربي من بقية شعوب العالم التي تبدو غير موجودة بألسنتها العديدة التي تبلغ بضعة آلاف لسان, وكأنّ إغفالها مجرّد مقدّمة لإلغائها وحذفها من خريطة الإنسان المعاصر، ومن ذلك تمثيلاً لا حصراً ما ورد بخصوص عبد الناصر الذي يراه الكاتب نسخة عن هتلر، ويرى أن بلاغته الخطابية كانت مقتصرة على إتقان السباب بحسب رأيه الذاهب إلى أن خطابيّة عبد الناصر بلغته الخاصّة هي التي استدعت وجوب التخلّص منه في ستّة أيّام، عام سبعة وستّين.