ثقافة الهستيريا

ما أكثر المتغيرات في عصرنا، ومع كلّ طارئ نجد أنفسنا أمام عوالم تطالبنا مستجداتها بإعادة النظر – نقدياً- بكلّ ما عرفناه، وتمّ البنيان على ركائزه في الحاضر، وفي أحيان أخرى تطالبنا تلك المستجدات بتجاوز المنجز السابق بالكامل ونسيانه إلى الأبد!!..
بقراءة للخط البياني المرسوم من قبل المنجزات الإنسانية عبر مسيرة تاريخها، سيتبين بأن الفواصل المثبتة بين مرحلة وأخرى ذات قيمة معرفية غاية في الأهمية، كونها تمتلك القدرة المؤهلة على تبويب منجزاتها المادية والميتافيزيقية، وأيضاً حروبها، والكوارث التي مرت بمعاصريها من البشر، بشكل دقيق، مما يسهل على المعرفة رسم خطواتها التالية بثقة تامة، تجنبها -على الدوام- الوقوع في ما لا يحسن عقباه، بمعنى آخر، أكثر شعبية من تلك التنظيرات الاختصاصية، نستطيع القول: إن المدونات المحمية من قبل فواصل المراحل، كانت قادرة على تحمل مسؤولياتها أمام التاريخ، كونها هي نتاج طبيعي لتطور مسيرة مجتمعات مدونيها، نتاج تفرضه ببطء البيئية الطبيعية بشكل عام، الجغرافية السياسية، المعتقدات الميتافزيقية، ونمط الانتاج الاقتصادي..
مرة أخرى، وبعد الإعلان بأشهر قليلة عن جائحة “كورونا” وما تبعها من تغيرات سريرية، وسريعة في ثقافة الذعر الاجتماعي، الصحي والاقتصادي، سنجد أنفسنا في متاهة جديدة بعد أن تم تدمير الجزء الأكبر من “بيروت” برفة جفن، متاهة سوف يقوم الإعلام – كما فعل في السابق – برسم ملامح المسؤول المباشر، وغير المباشر عنها، والمطالبة بمحاسبته، وسيقوم جهابذة الاعلام برسم الملامح السياسية والاقتصادية لمرحلة ما بعد “الانفجار العظيم!!” وطبعاً كلّ جهة سوف تغرد بحسب ما يُملى عليها من قبل ليلاها، والإنسان الشرق أوسطي البعيد عن مصادر القرار لن يناله من هذه “الوليمة الاحتفالية!” سوى المزيد من الموت، الجوع، الخوف، القلق، والمستقبل الضبابي الذي سيصل بعيون أبنائه إلى الرمد الأكيد، بينما المجرمون الحقيقيون سوف يتابعون أبحاثهم المخبرية الرامية في النهاية إلى ابتكار نمط جديد للسير برفقة أصولهم الاجرامية، المالية بأمان!!..
– هل جن هذا العالم !!..
الجواب على هذا السؤال هو الذي يقوم الآن برسم النمط الثقافي الجديد، ليس لسكان الشرق الأوسط وحسب، بل لجميع سكان كوكبنا الأزق، وبما أن تلك الثقافة بغاية السرعة والتبدل المستمر، والاستهلاك المبرمج، ولا تمتلك بذور المعرفة النقدية الأصيلة، فسوف تصعد بخطها البياني إلى مصاف الهستيريا القادرة على تغييب الانسان ككائن عاقل له الحق المطلق في الحياة، وفي تقرير مصيره!!..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار