كل الأحاديث والسيناريوهات عن الغلاء، وكل الـمحاولات والإجراءات لـم تُحدث اختراقاً جدياً في الحد من الارتفاع الجنوني للأسعار، لأن الحكومة استفاقت متأخرة على ضبط الفلتان الحاصل في الأسواق بعد أن كان «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب».
لكن على ما يبدو أن حال الأسواق لم يعد سببها بعض التجار فقط، لأن ما يحدث على أرض الواقع يؤكد أن التاجر لديه ضوء أخضر من الجهات الوصائية التي كانت قد أعطته مدى منقطع النظير، عندما أكدت أن التجار شركاء الحكومة في اتخاذ القرار.. واليوم ماذا يعني أن تخصص وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك جلسة أسبوعية للتجار للاستماع إلى مبادراتهم ومشكلاتهم وهمومهم وتدعوهم لتخفيض الأسعار!
لماذا هذه المحاباة للتاجر؟ هل وجدت الحكومة ضالتها في «جشع بعض التجار» ككبش فداء لتبرير ارتفاعات الأسعار، خاصة أنه في الآونة الأخيرة ظهرت مبادرات من التجار لتخفيض الأسعار وسط دعمٍ حكومي وترويج إعلامي.
دعونا من هذا كله، ولنفرض جدلاً أن بعض التجار فعلاً جشعون «ونحن لا نستبعد ذلك بالمطلق»، فأين وسائل الحكومة وأدواتها لمواجهة هذا الجشع؟ إن تحميل التجار وحدهم مسؤولية الغلاء يعد سذاجة، لأنه يضع الحكومة هي الأخرى في موقف حرجٍ إذا أمعن الناس وتأملوا في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من تقليص لدعم السلع والخدمات الحكومية وغياب بعضها من الأسواق ورفع أسعار العديد من السلع والخدمات وآخرها وسائل النقل وغيرها، ووضع تسعيرة في صالات التدخل الإيجابي تقارب أو تضاهي أسعار السلع في الأسواق و..و..و! نحن بحاجة إلى وقفة حقيقية مع الذات والاعتراف بأن هذه المستويات غير المسبوقة من الغلاء ما هي إلا حصاد سياسات اقتصادية خاطئة، وإذا اتفقنا على أن لب المشكلة يتعلق بهذه السياسات فنحن نجزم بأن ما أفسدته هذه السياسات لا تصلحه إلا سياسات اقتصادية توازن بين العرض والطلب ومستوى دخل المواطن؛ لأن العلاج بالمسكنات وتسطيح الأمور أمر غير مقبول ولم يعد مجدياً!
تساؤلات عديدة بحاجة إلى وضع النقاط على الحروف، لأن المرحلة الراهنة تتطلب مهام استثنائية وقرارات حازمة.. وإلا سنبقى ندور في دوامة كأنك يا«أبو زيد ما غزيت»!ً.
hanaghanem@hotmail.com