مدارات حُب بحرية

أمسى ذلك الزمن بعيداً، أو هكذا أشعر به اليوم.. ذلك الزمن الذي كان باستطاعتي أن «أطلع»من الضيعة إلى المدينة – «صافيتا» بمفردي من دون أن يُرافقني أحدٌ لأشتري ما يخصني.. ربما كنت في(الصف التاسع)، أو (العاشر) على أبعد تقدير.
وكان أول ما لفت انتباهي مكتبة في «ساحة الدريكيش» بصافيتا، مكتبة متخصصة ببيع القرطاسية، فإلى اليوم لم توجد مكتبة لبيع الكتب في هذه المدينة.. وما لفتني في المكتبة ليس القرطاسية، وإنما (استندات) الصحف والمجلات الورقية، والتي كانت أشبه بمعرض للعناوين والمانشيتات الملونة ولاسيما الصحف السورية واللبنانية على وجه التحديد.. وأذكر حينها، وكأول مواجهة بيني وبين صحيفة ورقية اخترت صحيفة «تشرين» من دون غيرها من الصحف، ودفعت ثمن العدد «ربع ليرة» كاملة.. كانت أجرة الطريق إلى صافيتا حينها «نصف ليرة»، ولسببٍ لا أعرفه أكثر ما جذبني من صفحاتها؛ كانت الصفحة الثقافية، وأول مواد الصفحة التي قرأتها كان مقالاً بعنوان «مدارات حُب بحرية» مُذيّلاً باسم (قمر الزمان علوش).. ولشدّة دهشتي به، واكتشافي أنّه سيكون ضمن سلسلة مقالات تحت هذا العنوان الثابت: (مدارات حُب بحرية)؛ الأمر الذي جعلني (أطلع) إلى صافيتا في اليوم الثاني لأقرأ المدار الآخر، وكم كانت خيبتي حين لم أجد ما تحملت لأجله الذهاب إلى المدينة، وعندما استفسرت عن الأمر لدى صاحب المكتبة، أخبرني إن «قمر الزمان علوش» يكتب هذه الزاوية – هكذا أطلق عليها صاحب المكتبة – كل أسبوع مرة، وأظنه كان يكتبها كل يوم أحد..
وحدها تلك الصحيفة الزرقاء هي من شدتني من بين كل تلك الصحف، صحيح لم تكن صحفاً إصدار يومها، وإنما مُعظمها كان قد فات على إصداره يوم أو يومان، باعتبار كانت الصحف اليومية تصل في اليوم الثاني لصدورها إلى المدن الصغيرة كصافيتا، غير أن (زاوية) «مدارات حُب بحرية» شكلت لدي علاقة خاصة مع صحيفة تشرين في سني المراهقة، وهو الأمر الذي جعلني في مرمى «تندر» الأصدقاء والزملاء الذين كانوا يندهشون كيف (أنتع حالي) إلى صافيتا لشراء صحيفة!!.
حينها كنت أقص من «تشرين» زاوية (مدارات حُب بحرية) لألصقها في دفتر يومياتي الذي بقي يُرافقني كل سنوات الجامعة، والذي ضاع مع جملة من الأغراض الأثيرة لنفسي خلال تنقلاتي بين البيوت التي كنت استأجرها في دمشق..
بعد التخرج؛ لم (أتوظف) في «تشرين» مُباشرة، بل احتاج الأمر إلى(11) سنة، ولم يحزنني الأمرُ كثيراً فكنت- ومازلت- لدي ما يكفي من المنابر لأكتب فيها داخل سورية وخارجها، لكن وفي كل مرة أدخل «تشرين» أقول: سألتقي بصاحب (مدارات حُب بحرية).. وبعد ربع قرن في «تشرين» إلى اليوم لم ألتقِ بقمر الزمان علوش الذي أذهلني كيف كان يؤنسن الموج كامرأة حبيبة يتوق للتماهي معها وفيها!!.
لا أعرف ما الذي دفعني لكتابة زاوية «على ما يبدو» عن ذكرى (مدارات حُب بحرية)، هل هي اليوميات التي يكتبها علوش اليوم على صفحته الشخصية في «الفيسبوك»، والقائمة على الذكريات؟! ربما.!!
هامش:
قبليني إذاً؛
فكلُّ الأشياء يابسة،
قبليني
لنُعيد ما انقطع
من بوحٍ أخضرٍ
بين الحبق والشرفات؛
فكلُّ يابسٍ اليوم
يا حبيبتي؛
كان في الأمسِ حبق..

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار