استشفاء سياسي
سوتشي.. الموقع الجغرافي الفريد، وفصوله المخملية، ومنتجعاته التي لا يقصدها السياح للاصطياف فقط، بل تعدّ منطقة استشفاء، إذ تستخدم مياهها المعدنية في علاج أمراض القلب والأوعية الدموية والعظام، لذلك عسى أن يكون لقاء مختلف أطياف الشعب السوري وحوارهم وصفة استشفاء للوفود التي انحرفت ساعة مؤامرة عن البوصلة الوطنية، وسَمْتِ حضور الانتماء الصافي الذي شابته بعض العوارض المرضية.
ولأننا من سورية أعرق حضارة في التاريخ، ومنها كانت أقدم اتفاقيات السلام المدوّنة في رقيم فخاري، اكتشف في تل مرديخ الأثري، منقوش بحروف مسمارية تحرّم الاعتداء وتدعو إلى السلام، ويعود تاريخه للقرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، ولأنه لم يكن الوحيد، بل اكتشفت أيضاً في موقع تل الحرير الأثري أربع اتفاقيات سلام موثّقة لتدلّ على عظمة الشعب السوري ومدى نضج مفهومه للسلام والحوار الدبلوماسي منذ غابر الزمان.
ولأننا لسنا هواة قتل، ولسنا معتدين، وإنما ندافع عن أنفسنا في وجه أي عدوان، وندفع الموت عن شعبنا، لنصدّر دائماً صورة تليق بالهوية الحضارية لسورية التي تخلع عن جسدها المأزوم، بفعل تآمر عصبة عدوانية عليها، ثوب الحرب، وتستعد لوضع إكليل الغار على جبين جغرافيتها رغم أنف المعتدين.
لأننا كذلك، سبع سنوات حرب مرّت وسورية ماضية في رؤيتها لحل الأزمة، فقد استبسلت في عملية مكافحة الإرهاب، وحقّقت الانتصارات العسكرية تلو الانتصارات بمساعدة الأصدقاء والحلفاء، وثابرت بالحضور السياسي لعله يسهم بمخرجات حلّ ويساعد في إنهاء الحرب، واجتهدت في استنهاض العوامل المساعدة في خلق آليات توافق وإطلاق مبادرات لحوار بنّاء حتى مع الأطراف الأخرى التي وضع أفرادها أنفسهم في مكان مناقض لانتمائهم الطبيعي ومصالحهم الوطنية، ففتحت أمامهم السُـبل لاستردادهم، حيث سعت الدولة السورية بقيادتها الحكيمة لفتح ملف المصالحات، وأصدرت مراسيم العفو، وتجاهلت ارتكابات الماضي من طرف البعض بحق الوطن والشعب والمؤسسات بمعالجة استثنائية ليس قفزاً فوق القانون وتجاهلاً له بقدر ما كانت حقناً للدماء ومن منطلق أساسي واحد، لابدّ من الإجماع عليه وهو أن التحدي استراتيجي، والهدف أولاً وأخيراً الوطن، والسيادة والولاء هما مطلب الأحرار، ومن يليق بهم حضن جغرافيته.
إذاً، في سورية سجل المواطن السوري، بصموده واستبساله في الدفاع عن تراب أرضه وثقته بدولته، الخطوات التي تنبئ بحتمية الانتصار على القوى العدوانية، بمتلازمة تكتيك عسكري وسياسي مازالا حتى اللحظة يسيران وفق خطين متوازيين، مكافحة الإرهاب حتى دحر آخر مرتزقته من الأرض السورية، والمسار السياسي والانفتاح على كل الحلول السياسية التي تحترم السيادة السورية
ولا تفرض الإملاءات الخارجية تحت عباءة التبعية.
سوتشي.. منصة سياسية ستفرز من جاء إليها مرتهناً لأجندات خارجية فيما إذا كان حضوره بقصد الاستجمام أم الاستشفاء.
m.albairak@gmail.com