نقابات الأمس واليوم…!

كل الأزمات التي مرت خلال العقود الماضية، وما نمر به اليوم أيضاً من أزمات خاصة الاقتصادي منها والاجتماعي، وماترتب عليها من سلبيات في جوانب أخرى مرتبطة بها، ندرك تماماً أن الحامل الأكبر لحلولها، وتحمل أعبائها هو القطاع العام بكل مفرداته المختلفة، والذي يٌقيم أهميته بالصورة الصحيحة” أهله” ونقصد هنا العمال بالدرجة الأولى، وهذه حقيقة أعتقد لا يختلف عليها اثنان..!
فالعمال الأكثر تقديراً لهذه الأهمية بمختلف مكوناتها الإنتاجية والخدمية، ولم يتركوا فرصة للدفاع عنه، إلا وسجلوا فيها مواقفهم المؤكدة للحفاظ عليه، وتطويره بما يلبي ويتماشى مع المستجدات التي تحصل حتى في قلب مكوناته, في الوقت الذي يشهد فيه حالات احتضار وموتاً سريرياً لمعظم قطاعاته, نتيجة الأزمة الحالية والتخريب الذي طاله من قبل العصابات الإرهابية المسلحة وتدمير قسم كبير من بنيته ومصادر قوته، وآخرها ما يحدث من إعادة ترتيب أوراق بعض القطاعات الإنتاجية بصور متعددة، في الوقت الذي هي فيه بحاجة إلى المزيد من صور الدعم والمساندة للخروج من تأثيرات الأزمات التي لاحقته منذ بدء الحرب الكونية..!
وبالتالي كل ذلك وضع هذا القطاع موضع تجاذب في الرأي بين أصحاب القرار وخاصة الفكر المعالج لمشاكله وهمومه، والمقترح لبدائل الحلول في كثير من الأحيان لا تلامس الواقع الفعلي ولا حتى الإمكانات المتوافرة, وبين العمال ومن معهم من القيادات والنقابات العاملة فيه، انطلاقاً من حرصها الشديد في استمرارية الأداء على كل المستويات..!
وما يؤكد هذا الحرص وقوف العمال ونقاباتهم معارضين لمرات عديدة وفي مناسبات مختلفة طرح الشركات الخاسرة في القطاع العام الصناعي للاستثمار من قبل القطاع الخاص لقناعتهم بعدم جدوى الطرح وفقدانه للنيات الصادقة، من قبل الخاص، وحتى مشاريع الدمج سجلوا فيها مواقف مختلفة، لكن الحسابات تختلف من ميدان لآخر..!
والمشكلة أن المصيب في الرأي في معظم الأوقات هم ” العمال” وتوحيد هذا الرأي في نظرة واحدة للأمور شملت حقيقة، هي الأساس لتحقيق واقع أفضل، تكمن في إعادة تأهيل القطاع العام (وخاصة الصناعي منه) وفق متطلبات الاقتصاد الجديد مع الحفاظ على الهوية الاجتماعية له، منطلقين من ضرورة الإصلاح الإداري والاقتصادي له، بالتنسيق مع الجهات النقابية الفعلية من خلال برنامج زمني يحدد فيه الخطط، ومدد التنفيذ، وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة، وحل مشكلة نزيف العمالة المستمر، إلى جانب برنامج آخر لايقل أهمية عما سبق، يحمل الخطط الاستثمارية وتركيزها على الشركات الخاسرة وحتى الحدية بقصد استبدالها وتجديد خطوطها الإنتاجية بما يحقق جدواها الاقتصادية، دون تجاهل ما يتعلق بأمور الأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية، التي تبعث الطمأنينة لدى العاملين، والعمل بثقة وأمانة والاستفادة من الخبرات المهدورة، التي من شأنها زيادة المردودية الاقتصادية والاجتماعية، وتمكين الشركات الإنتاجية من جديد الوقوف بقوة في الأسواق بشروط المنافسة, لا أن تبحث الإدارات المسؤولة عن طرق وأساليب مبتكرة للهروب من المسؤولية وقذفها إلى قادمات الأيام، لتتعاظم المشكلة ويكبر حجمها، ويصعب معها إيجاد الحلول وما نشهده من مشكلات هي ليست وليدة اليوم، بل متوارثة من إدارات وقيادات عجزت عن حلها عبر سيناريوهات الهروب المتعمد من بعض المسؤولين وأهل القرار السابقين..!
وفي الحقيقة أزمة اليوم، وما نعيشه من تفاصيلها السيئة، كشفت الكثير من أخطائهم والتقصير المتعمد في المعالجة، وما نتمناه أن تصغي حكومتنا الحالية إلى الصوت النقابي” وأعني العمالي” وألا تضيع فرصة الاستماع إلى رأيهم في المعالجة، لأنهم الأقدر على التوصيف وإيجاد الحل، ولأنهم أهل القطاع والعالمون بأمره، وتجاهل أهل التنظير لأن حلولهم فشلت أمام كوارث اليوم، والدليل حالة التخبط التي يعيشها القطاع..!
والسؤال.. هل نقابات اليوم جاهزة لتحمل أعباء المرحلة القادمة في الرأي والتنفيذ..؟!

سامي عيسى
Issa.samy68@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار