دراما اقتصادية..!

من يقرأ تاريخ اقتصاد الدول المتقدمة ويدقق في بنيتها، وتركيبتها الإنتاجية، يدرك أن اقتصادات هذه الدول بنيت على مكون أساسي متوافر لدى الجميع، لكن كيفية استثماره، وطريقة توظيفه، والاستفادة منه هي المختلفة، وهذا الاختلاف لا نذهب به بعيداً، ليحمل كلية في الاختلاف، لأن “شطار الاقتصاد” هم الذين يستفيدون من إمكاناتهم وتجارب غيرهم، وإسقاط ذلك على أرض الواقع بإيجابية مطلقة، لتكون القوة التي يبنى عليها أولى خطوات لاقتصاد القوي، وهذا المكون الذي يشغل كل هذه الأهمية يكمن في” قطاع المشروعات الصغيرة” إلى جانب المتناهي منها في الصغر..!
وللأسف الشديد دول كثيرة كانت معدومة في اقتصادها، أصبحت من أقوى اقتصادات العالم، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، ونحن في بلدنا مازلنا نبحث في البحثيات وندرس الإمكانات، مع محاولات تأمين البيئة، ورسم الاستراتيجيات، وأي تسميات تطلق على القطاع وغير ذلك كثير من الفرضيات..!
وما نقوله هو قليل من الألم تجاه ما يحصل، لأنه حتى هذا التاريخ “قطاع المشروعات الصغيرة” لدينا لم يأخذ طريقه الصحيح، ليكون القوة الداعمة لاقتصادنا الوطني بكل مكوناته الإنتاجية المتنوعة..!
لكن الذي اختلف في هذه المرحلة كثرة الحديث عنه، بسبب الحاجة له، وهذه فرضتها الظروف الحالية، وما يمر به اقتصادنا الوطني من ظروف صعبة، لذلك من يظن أن الاهتمام بهذا المكون هو وليد المرحلة الحالية، وارتباطه بطبيعة الأزمة بكل مفرداتها، التي يمر بها بلدنا والحرب الكونية والحصار الاقتصادي الذي أوجد ظروفاً قاسية وصعبة هو مخطئ إلى حد بعيد, ويخطئ أكثر إذا ظن أن الحكومات في أي البلدان تستطيع الاستغناء عن “قطاع المشروعات الصغيرة”، على الرغم من وجود تكتلات صناعية عملاقة فيها, الا أن هذا القطاع له الأولوية في كل مكونات التنمية الاقتصادية وحامل قوتها، لهذا السبب احتل مشروع دعم قطاع “المشروعات الصغيرة والمتوسطة” مكانة أساسية في تطوير السياسات الاقتصادية المقترحة، حيث ركزت الحكومات خلال السنوات الأخيرة على تقديم الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، كونها المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي والحرفي في المراحل الأولى، من عملية التعافي، وهذا اتضح من خلال الإجراءات الحكومية المتعاقبة, والاستراتيجيات المرسومة والتي تهدف إلى تحقيق ذلك، وفق أولويات فرضتها متطلبات المرحلة وطبيعة المعركة وظروفها التي نمر بها, وبالتالي تسجيل استدارة” شبه كاملة” تصب باتجاه تعزيز مكون المشروعات الصغيرة والمتوسطة كونها القادرة في هذه الظروف على تأمين المطلوب، وبصورة تعزز قوة الاقتصاد الوطني بكل أبعاده.
والسؤال المطروح هنا والذي يبنى على حالة البطء الشديد، في ترجمة مفردات هذه الاستدارة، وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي تغنت بها الحكومات المتعاقبة، دون إحداث تغييرات ملموسة، يمكن من خلالها تبديل ” حد أدنى” من مفاهيم وسلوك المواطن اليومي في معيشته، وإحداث خرق كبير في توفير متطلباته، التي يؤمن غالبيتها قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية، وغيرها من مشروعات يندرج اسمها تحت قطاع توفير المطلوب لأسواقنا المحلية، والتي باتت عطشى لكل هذه المنتجات..!
والسؤال الذي يحمل أوجاع ماذكرت، إلى متى يبقى اقتصادنا الوطني، يعيش حالة من الضياع، بين “استراتيجيات” تحمل كل مفردات التطوير لقطاع المشروعات الصغير، وبين واقع تحكمه أدوات ضعيفة جلها يذهب باتجاه تسجيل نقاط، لا تقارب المطلوب، من العمل الحكومي الذي يهدف بكليته تطوير القطاعات الاقتصادية، الأكثر دعماً لقوة الاقتصاد الوطني، أهمها “قطاع المشروعات الصغيرة” ؟
للأسف الشديد ما يحدث على أرض الواقع سلسلة من مسلسلات درامية بعناوين اقتصادية، مضمونها استراتيجيات ذات محتوى واحد، يضيع في الشكليات وتفاصيل إجراءات العمل اليومي… !

Issa.samy68@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار