الصناعة السورية تقف على بوابة انطلاق جديدة.. وقائع محفزة للتفاؤل في سياق خطة 2024 – 2030
تشرين – خاص:
تقف الصناعة السورية على بوابة انطلاق جديدة، أهم ما فيها أنه تتزامن مع معاودة انطلاق الاقتصاد السوري بالعموم نحو أفق جديد، بعد سنوات غير قليلة من الحصار والاستهداف المباشر.
فهناك في قلب دمشق العاصمة، لم تعد وزارة الصناعة “وزارة قاطرة التنمية” مجرّد هيكل عملاق يعاين ديناميكية الحياة اليومية في أقدم عاصمة مأهولة، بل ما بات مؤكداً أن ثمة ما “يطبخ على نار هادئة” على مستوى السياسات و إعادة توليف وتوجيه دفّة العمل، ثم إنعاش موجودات القطاع الحكومي الذي طالما تغنينا بأنه ” القطاع الرائد.. ونتحدث وفق معطيات وأرقام لا نبوءات وسرد إنشائي.
خطة 2024 – 2030
من الضروري أن يتوقف كل متابع عند خبر تم تداوله منذ فترة، حول وضع خطة وطنية للاستثمار في القطاع الصناعي للمرحلة القادمة (2024-2030) .. تتضمن الاهتمام بالصناعات الإلكترونية – السيارات الكهربائية – الطاقات المتجددة والريحيّة، وتشجيـع الابتكار والاستثمار بالمعرفة كونه حاجة ومدخلاً مهماً للقطاع الصناعي، مع الأخذ بعين الاعتبارات كل نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات التي تواجه تحقيق ذلك.
وأوضحت الوزارة أن الخطط الاستراتيجية لا تبنى على الوضع الراهن، ووزارة الصناعة كجزء من الفريق الحكومي تعمل بالتنسيق مع كل الجهات المعنية (وزارة المالية – وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية – مصرف سورية المركزي – هيئة التخطيط والتعاون الدولي) لتطوير القطاع الصناعي الوطني، مع الأخذ بعين الاعتبار انعكاس أي قرار على كل المؤشرات الاقتصادية وأن يحقق مصلحة كافة الأطراف بما ينعكس ايجاباً على مستوى الاقتصاد الكلي.
تكامل مطلوب
هي رؤية تحاول الوزارة تعميمها في سياق من التكامل المطلوب، أي الانسجام مع سياسة الحكومة الاقتصادية من ناحية تشجيعها ودعمها للاستثمار وتوطين الصناعات ذات المحتوى التكنولوجي العالي، ومنح العديد من المزايا والتسهيلات لجذب رؤوس الأموال لتوطين صناعات إستراتيجية أو استهلاكية لاسيما تلك التي تحتاجها البلاد ضمن سياسة إحلال بدائل المستوردات، وترشيد إنفاق القطع الأجنبي وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي، وتحقيق فائض للتصدير وخلق الكثير من فرص العمل خاصة في ظل الظروف الحالية بما ينعكس ايجاباً على مستوى الاقتصاد الكلي في المدى المتوسط.
وقائع
توجهات الوزارة وفقاً لتقاريرها الجديدة، ترافقت مع معطيات وأرقام يمكن أن تكون قاعدة للانطلاق بالتوجه نحو نفض الغبار عن (موجودات) معطلة، أو مبررة للإعلان الذي تم بخصوص التعاطي مع الأفق الصناعي الجديد في سورية.
فالتقارير تتحدث عن أن أرباح وزارة الصناعة والمؤسسات التابعة لها بلغت خلال النصف الأول من العام الحالي ٣٥٧ مليار ليرة، متجاوزة بذلك أرباح العام الماضي كاملاً والتي وصلت إلى ٣٤٧.٥ مليار ليرة.
وفي تقريرها النصفي لهذا العام كانت الوزارة قد أوضحت، أن قيمة الإنتاج حتى نهاية حزيران الماضي وصلت إلى ٣٠٠٠ مليار ليرة، فيما وصلت قيمة المبيعات إلى ٣٨٠٠ مليار.
ورتبت الوزارة في تقريرها، المؤسسات والشركات التابعة لها بحسب الأرباح، فجاءت في المركز الأول الشركة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء والفروع التابعة لها بإنتاج تبلغ قيمته (1186) ملياراً ومبيعات (2600) مليار ليرة، وحققت أرباحاً خلال العام الحالي تزيد على (204) مليارات ليرة.
وحلت في المركز الثاني المؤسسة العامة للصناعات الهندسية بقيمة إنتاج (594) ومبيعات بمبلغ (312) ملياراً، وأرباح بقيمة (62) ملياراً، والمؤسسة العامة للتبغ بقيمة إنتاج (442) ملياراً ومبيعات (290) ملياراً، والشركة النسيجية رابعاً بقيمة إنتاج (317) ملياراً، ومبيعات (268) ملياراً وأرباح (17.5 ) ملياراً، وحلت خامساً المؤسسة الغذائية بإنتاج قيمته (299) ملياراً ومبيعات (264) ملياراً وأرباح (29 ) ملياراً وتليها المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية بقيمة إنتاج ٨٩.٦ ملياراً، ومبيعات ٩٤.٥ ملياراً، وأرباح تجاوزت قيمتها ٢٩.٢ مليار ليرة.
الإسمنت كبنية إستراتيجية
لقد جرى التركيز مرحلياً على صناعة الإسمنت ذات البعد الإستراتيجي المؤثر في الاقتصاد السوري، تركيز ثبت خلاله أن إصلاح القطاع غير ميئوس منه، عندما تتوفر الرؤية العلمية الدقيقة، وتُستثمر العقول لتتحكم بالآلات والمعدات هذه المرة وليس العكس.
وقد أثبتت الوزارة اليوم بآليات تعاطيها الجديدة، أن الدراسة العلمية والفنية لمكونات الصناعة بما فيها تقنيات الإنتاج واعتماد المعايير العالمية، لا بل وحتى قراءة كتيبات التشغيل والمعايرة لخطوط الإنتاج المستوردة وفهم آلية العمل التي تعظم العائدات وتحقق أقصى درجات الجدوى الاقتصادية، يمكن أن تحل مشكلات مستعصية في قطاعنا العام.
من خلال إجراءات جزئية ومعايرات على خطوط الإنتاج، في الشركة السورية لصناعة الإسمنت ومواد البناء في حماة تم توفير ما نسبته ١١.٣% من كمية الفيول اللازمة للإنتاج، وفي الوقت نفسه زيادة كمية الإنتاج بنسبة ١٦%.
حينها أوضح وزير الصناعة الدكتور عبد القادر جوخدار، أن هذه المعايرة تمت بالاعتماد على مبادئ الأنظمة الكهروميكانيكية التي يمكنها أن تحقق الفرق في خطوط الإنتاج لمختلف الصناعات، في حديث سابق لـ(تشرين) إلى أن التفكير بالمعايرة بدأ بتاريخ ١٤ تشرين أول الماضي، ووفقاً للمعطيات التي وافتنا بها الشركة السورية لصناعة الإسمنت ومواد البناء بحماة، وحتى نكون على بينة بالفرق الذي يمكن أن يحدث أخذنا كمية الإنتاج لمعمل إسمنت حماة خلال الخمسين يوماً التي سبقت التفكير وكانت/ ١٠٦٩٠٣ / أطنان كلينكر، وكمية الفيول المستهلكة في الإنتاج كانت/ ٥٢٨٧ / طن فيول، أي إن كل طن كلينكر يستهلك عملياً ١٠٦ كغ فيول، وبعد تطبيق المعايرة وفق الأنظمة المعيارية القياسية والدولية المستخدمة في صناعة الإسمنت، بعد أن تم التأكد من سلامة الإجراءات واختبار عينات الكلينكر بعد المعايرة والتأكد من مطابقة المنتج المواصفات القياسية من خلال إجراء اختبارات عديدة في مخابر الشركة للتأكد من مواصفات المنتج بعد المعايرة، تم أيضاً رصد كميات الإنتاج خلال الخمسين يوماً التالية لعميلة المعايرة ومن خلال المعطيات التي وافانا بها مدير عام الشركة السورية لصناعة الإسمنت ومواد البناء بحماة المهندس عصام العبد الله، حيث كانت كمية الإنتاج / ١٢٤٠٩١/ طناً، وكمية الفيول المستهلكة في الإنتاج كانت / ٤٦٨٩ /طناً، أي إن كل واحد طن من الكلينكر أصبح يحتاج تقريباً إلى 94.6 كغ فيول، وبالمحصلة فإن كمية الفيول الإجمالية التي تم توفيرها تصل إلى ٦٠٠ طن خلال فترة الــ 50 يوماً التي تلت عملية المعايرة، وتالياً فإن القيمة الإجمالية التي تم توفيرها، إذا علمنا أن قيمة كل واحد طن من الفيول تقدر/ ٧ /ملايين ليرة سورية، ستكون/ ٤.٢/ مليارات ليرة سورية، ناهيك بالزيادة في الإنتاج بمقدار ١٧.١٨٨ ألف طن قيمتها ٢٩.٢٢٠ مليار ليرة.
ضمن المعايير وأفضل
ويؤكد الوزير في الحديث ذاته لـ” تشرين”، أن عملية أخذ العينات واختبارها وفق المعايير القياسية السورية والمنسجمة مع المعايير القياسية الدولية والتي تتم بشكل يومي وعلى مدار الساعة، والتي تشمل 15 مكوناً للاختبار، حيث بينت التجارب الكيميائية لمادة الكلينكر أن مواصفات الإنتاج لهذه المادة بقيت ضمن المعايير العالمية القياسية، كذلك الأمر بينت التجارب الفيزيائية (اختبار مقاومة الضغط)، لمادة الإسمنت الناتجة، أن مواصفة مادة الإسمنت محققة ضمن الشروط القياسية للمواصفة السورية.
أما عن تكلفة هذه العملية التي حققت هذا الرقم الكبير من التوفير وزيادة الإنتاج، فقد تمت دراسة فنية وعلمية لنظام المعايرة وبروتوكولات المعايرة العالمية والتي استغرقت مدة زمنية سبقت البدء بالمعايرة، حيث شارك فيها فريق من المهندسين والمختصين من مؤسسة الإسمنت، الشركة العامة لصناعة الإسمنت ومواد البناء – إسمنت عدرا، والشركة السورية لصناعة الإسمنت ومواد البناء بحماة.
مؤكداً أن كل الكوادر العمالية والفنية وطواقم المهندسين جاهزة للعمل والعطاء، ولا تحتاج إلا إلى التحفيز المعنوي والمادي وتوليد الشعور لديهم بأنهم شركاء في النجاح، هذا إضافة إلى ضرورة متابعة أبرز التحديثات في عالم صناعة الإسمنت والموجودة تحت عنوان “الأمثلية” في صناعة الإسمنت: (Cement Plant Optimization).
يتحدث المعنيون في وزارة الصناعة عن وجود خطة للقيام بعملية المعايرة في معامل إسمنت عدرا وطرطوس، لكنها تحتاج إلى تغيير جزئي في أحد مكونات عملية التسخين الابتدائية للمواد الأولية (Preheaters).
في خدمة زراعة إستراتيجية
في اتجاه اقتصادي رديف وضعت وزارة الصناعة حدّاً لمشكلة مزمنة، وأنجزت حلّاً وصفه مراقبون بـ”الإستراتيجي”، لخلل اعترى منظومة القطاع الزراعي، وتالياً قطاع الإنتاج الحيواني، والمتمثّل في غياب مُجففات الذرة البيضاء، بعد الدمار الذي لحق بالمُجففات، والتي كانت تعمل وتخدّم مناطق إنتاج الذرة في البلاد.
فقد أجرت ورش فنية مختلفة من شركة سكر تل سلحب، وشركة إسمنت عدرا والشركة العربية المتحدة / الدبس/، وشركة إسمنت حماة، بإجراء الصيانات الميكانيكية، وصيانة السيور الناقلة وإصلاح الخزانات، وتصفيح الجسم العازل للمُجفف، ونقل قمع وحلزونات وسير ناقل موجودين في الشركة، وتركيبهم في أحد المجففين الموجودين في الشركة، وقد أصبح المُجفّف جاهزاً فنياً للعمل بعد إجراء تجارب تشغيلية عدة، وبطاقة إنتاجية/30-40/ طناً بالساعة بطاقة تجفيف تصميمية تصل تقريباً لـ/800/ طن يومياً بنسبة رطوبة للمادة الداخلة للمجفف من/20-40%/ وبمعدل الرطوبة للمادة الخارجة في حدود/10- 13.9/ %.
وسيخدم المجفف مزارعي الذرة، وذلك بالتنسيق مع المؤسسة العامة للأعلاف، ويوفر الوقت والجهد الفاقد على المزارعين، الذي يحصل نتيجة القيام في عمليات التجفيف التقليدية.
أمّا في الحسابات الاقتصادية، فإنّ تشغيل المجفف يعني تخليص مزارعي الذرة من مأزق صعب، بسبب خروج المجففات السابقة من الخدمة، ما اضطرهم إلى اللجوء إلى التجفيف اليدوي، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى العزوف عن زراعة المحصول، والتوجه لزراعة محاصيل بديلة.
ونعلم أنّ انحسار المساحات المزروعة بالذرة وتراجع الإنتاج، قد أحدث تضخماً كبيراً في فاتورة استيراد الذرة كمادة علفية أساسية لقطاع الدواجن والثروة الحيوانية، وتسبّب استيراد المادة في رفع تكاليف إنتاج اللحوم والبيض والمنتجات الحيوانية الأخرى من ألبان و أجبان وغيرها.