الكيان تحت حصار الانتظار المشدد وأميركا تحشد عسكرياً لتبقى.. موعد الرد علمه عند إيران فقط وحزب الله يوسع معادلة الردع باتجاه نهاريا
تشرين – مها سلطان:
ليلة أخرى انقضت من دون رد، كان يُفترض حسب التوقعات الأميركية – الإسرائيلية أن يكون الرد ليلة أمس، ولكن حسب المؤشرات الواردة من إيران والمقاومة اللبنانية/ حزب الله، ما زال موعد الرد غير معلوم إلا لهما، وتالياً لن يفيد الكيان الإسرائيلي مزيد من التوقعات، وسيبقى متأهباً ليل نهار من دون رؤية واضحة لزمان ومكان وحجم الرد.
انقضاء موعد آخر دون رد يفعل فعله لناحية تشديد حصار الانتظار على الكيان الذي يدور في مكانه باحثاً دون جدوى عن وسيلة لكسر هذا الحصار
انقضاء موعد آخر من دون رد يفعل فعله لناحية توسيع وتعميق المخاوف، خصوصاً لدى الكيان الإسرائيلي الذي لا يجد مفراً سوى إطلاق مزيد من التهديدات، لا سيما لناحية التهديد بضربة استباقية ضد إيران أو لبنان، لكسر حصار الانتظار، فهو يعتقد أن توجيه هذه الضربة الاستباقية من شأنه تسريع الرد باتجاه أن يكون فورياً، أو باتجاه استكشاف ما يمكن أن يصل إليه، أو باتجاه جر الجميع إلى دائرة التصعيد الخطر، فمن وجهة النظر الأميركية – الإسرائيلية ربما حان الوقت لرفع مستوى التصعيد إلى درجة الحسم، إما ذهاباً باتجاه الحرب الموسعة، أو إياباً باتجاه فرض التهدئة، ويبدو أن الفريق الأميركي الذي سترسله إدارة الرئيس جو بايدن إلى المنطقة سيكون موكلاً بهذه المهمة، على فرض أن محادثات وقف إطلاق النار التي ستجري الخميس المقبل في القاهرة أو الدوحة، ستكون الفرصة الأخيرة وإلا فإن المسار يتجه نحو التصعيد العسكري، حيث أميركا متأهبة إلى جانب الكيان الإسرائيلي من خلال التحشيد العسكري الضخم الذي تواصل استقدامه إلى المنطقة، وآخره اليوم مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسال غواصة صواريخ إلى الشرق الأوسط، وإعطاء أمر لمجموعة حاملة الطائرات «إبراهام لينكولن» بتسريع انتشارها في المنطقة.
وفي تصريح لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أكدت واشنطن التزامها بالدفاع عن «إسرائيل»، وأنها تعزز قدراتها العسكرية في المنطقة وسط تصاعد التوترات.. علماً أن هناك فريقاً واسعاً من المراقبين يرى أن أميركا قررت توسيع انتشارها العسكري في المنطقة ليس بهدف الدفاع عن الكيان الإسرائيلي فقط، بل في إطار قرار تم اتخاذه لاستعادة نفوذها في المنطقة إلى سابق عهده وفق قواعد القوة العسكرية.
واشنطن ترى أنه ربما حان الوقت لرفع مستوى التصعيد إلى درجة الحسم إما ذهاباً باتجاه الحرب الموسعة أو إياباً باتجاه فرض التهدئة
الرد المباشر
بكل الأحوال فإن المؤشرات تتركز على مسألة أن المنطقة دخلت أسبوعاً حاسماً، فإما اتفاق هدنة وأسرى، وإما تصعيد سيجر الجميع إلى ناره، وبالنسبة للكيان الإسرائيلي مع انقضاء ليلة أمس من دون رد، فإنه أطلق مزيداً من التحذيرات والمواعيد، معتبراً أن إيران سترد قبل يوم الخميس المقبل الذي من المفترض أن يحتضن محادثات الفرصة الأخيرة بين الكيان والفصائل الفلسطينية.
وحسب صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، فإن التقييم الأخير الذي أجرته الاستخبارات الإسرائيلية يشير إلى أن إيران سترد بشكل مباشر، أي ستهاجم «إسرائيل» مباشرة، واعتبرت أن هذا الهجوم إذا ما وقع فإنه يعد تغييراً كبيراً في كل التقييمات التي تشير إلى أن الضغوط الدولية تمنع إيران من تنفيذ مثل هذا الهجوم.. وهذا يعني أيضاً أن مسألة الأسبقية في الرد غير واضحة، فبعد أن كانت المؤشرات الإسرائيلية ترى أن حزب الله سيبدأ الرد أولاً، فإن هذه المؤشرات تغيرت اليوم إلى الاتجاه المعاكس، ما يعني فعلياً أن لا أحد ولا جهة ولا دولة تعرف موعد ومكان وطبيعة الرد سوى إيران وحزب الله فقط .
غموض حول مهمة الفريق الأميركي الذي أرسلته إدارة بايدن إلى المنطقة فهل هو لرعاية مفاوضات الخميس أم لتكثيف الضغوط «العسكرية»؟
وكان الكيان قد أبلغ واشنطن بمؤشراته، خلال اتصال جرى بين وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، حسب «جيروزاليم بوست»، التي قالت: إن غالانت أبلغ أوستن بأن الاستعدادات الإيرانية تشير إلى أن طهران تستعد لهجوم كبير ضد «إسرائيل»، وأن التنفيذ خلال الأيام القليلة المقبلة.
يأتي ذلك رغم أن إيران مازالت على الحال نفسها، لا تكاد تقول شيئاً، باستثناء أن الرد قادم وحتمي وسيكون «حاسماً وبشكل مشروع».
استدعاء خارجي
وفي دليل واضح على حجم المخاوف الإسرائيلية، طلب الجيش الإسرائيلي من قواته الموجودة في كل من أذربيجان وجورجيا العودة فوراً، ووفق هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية فإن هذه القوات موجودة في دولتين تقعان بجوار إيران، وتشترك أذربيجان بحدود مشتركة مع إيران.
ومن غير المعروف هل إن الكيان يخشى على قواته في هاتين الدولتين، أم إن الاستدعاء الموجه لها يصب في مسألة ضعف عديد القوات، الذي يعاني منه الكيان.
وحسب أفيغدور ليبرمان رئيس ما يسمى حزب «إسرائيل بيتنا» فإن الجيش الإسرائيلي قلص قواته في مستوطنات غلاف غزة لأنه لا يوجد عدد كاف من الجنود، وقال ليبرمان في تغريدة على منصة «إكس» إنه قام بزيارة عدد من مستوطنات غزة برفقة أعضاء من حزبه ولم يلاحظ وجوداً لأي جندي إسرائيلي في طول السياج الفاصل بين قطاع غزة وغلاف غزة.
وكان ليبرمان قد اعتبر في وقت سابق أنه لا يمكن أن يكون لحزب الله شريط أمني داخل «إسرائيل» بعد 10 أشهر من بدء الحرب، واتهم الحكومة الإسرائيلية بالاستسلام مراراً وتكراراً لحزب الله، ودعا إلى تدفيع لبنان الثمن، وإلى أن «تنقل إسرائيل شريطها الأمني إلى أراضيه».
توسيع الردع
يأتي هذا فيما وسع حزب الله من معادلة الردع، بإدخال «نهاريا» التي شملها أمس قصف بعشرات الصواريخ نفذه حزب الله باتجاه الجليل الأعلى، وحسب القناة 14 الإسرائيلية فإن الدفاعات الجوية اعترضت 20 صاروخاً على الأقل أطلقت باتجاه مدينة نهاريا، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر سقوط صاروخ وانفجاره في مستوطنة إسرائيلية.
وفي إطار الضغوط الدولية، آثرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا أن تكون ضغوطها أكثر علنية، حيث أصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً حذرت فيه إيران من أنه سيتم تحميلها مسؤولية تعريض السلام في المنطقة إلى الخطر إذا ما هاجمت «إسرائيل»، معتبرة أنه «لا توجد دولة ستستفيد من التصعيد في الشرق الأوسط».
وجاء في البيان الصادر عن كل من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس: «نحن قلقون للغاية من التوترات المتزايدة في المنطقة، ومتحدون في التزامنا بخفض التصعيد والاستقرار الإقليمي».
وتابع البيان، في إشارة إلى المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار والتي من المقرر أن تنطلق الخميس المقبل: في هذا السياق، وعلى وجه الخصوص، ندعو إيران وحلفاءها إلى الامتناع عن الهجمات التي من شأنها أن تزيد من تصعيد التوترات الإقليمية، وتعريض فرصة الاتفاق على وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن للخطر.
وكان حَريّاً بهذه الدول، التي تدعي خوفها وحرصها على السلام في المنطقة، أن توجه البيان نفسه للولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، فإذا كان هناك من يهدد المنطقة فهو أميركا وكيانها، وما تفعله دول المنطقة المعنية هو رد الاعتداء، والعمل على تحقيق ردع مستدام، ففي هذه الحالة فقط ستنعم المنطقة بالسلام.
سيناء وسيناريو التهجير
في الأثناء، يستمر الكيان الإسرائيلي في محاولات تحقيق مخطط تهجير الفلسطينيين باتجاه سيناء، مستغلاً سياق التصعيد في المنطقة، وحسب وسائل إعلامية فإن الكيان عرض مجدداً على مصر نقل عشرات آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر بزعم تأمين بعض المناطق في القطاع بما يسمح بالقضاء على مسلحي حركة حماس ومن ثم إعادة الفلسطينيين إليها مجدداً.
لكن العرض الإسرائيلي قوبل بالرفض والاستهجان من السلطات المصرية، التي جددت التأكيد أن الأمر غير مقبول على الإطلاق ولن يكون محل نقاش أبداً.