«عيسى أبو سليم»، انقسم أهل ضيعتنا في توصيفه بين «الأزعر» والظريف، وللحقّ كان صاحب مروءة ونخوة، لا يكذب، ولا ينفي عنه شبهة، وإن سأله أحدهم فيما لو كان حاضراً ساعة فك بغل الحراثة للمختار، لرد على الفور:
«أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، يا أخي وزن المختار ١٠٠ رطل، واقتنصت لحظة غفوته، وحررت البغل.. ووقع المختار».
وجميع أهل الضيعة مازالوا حتى اليوم يقصّون حكاية «عيسى أبو سليم» يوم غافل الفران، وأضاف الكثير من السكر لعجينة الخبز، وسوّغ فعلته بأنه كان يهنئ أهل قريته بأعياد الميلاد على طريقته، فلا حيلة لديهم لصنع البيتفور وأقراص العيد، والحل كان الخبزً المحلّى على طريقة «أبو سليم».
أبو سليم الذي لم يسلم واحد من أهله ومعارفه من فصوله ومقالبه، جاء يوم وعكته التي جعلته يلازم الفراش مجبراً، فكانت زوجته هي الوحيدة القريبة منه وافتعال المقالب، ومناكفة القريب على حدّ قوله أهمّ من العراك مع صديق بعيد، لكنه استغنى عن رفاهية حالة ومتعة حيلة، فحيله متعوب عليها و«ضيعانا» على حد قوله في أمّ سليم.
وبجردة بسيطة وحساب ذهني عميق وجد ضحيته، صرخ بأم سليم :
«هاتي موبايل أحد الأولاد ممن فعّل باقة الرسائل بالمجان، ونظاراتي من درفة الشباك»
واستخدم ديباجة «سيرياتيل» بطريقته و«عافى» جميع الأسماء المحشورة في «موبايل النوكيا» الموروث من ابن عمه البطران باقتناء كل ما هو جديد في عالم الاتصال.
وبعث للجميع رسالة مختصرة:
«غداً في ساحة الضيعة سيتم توزيع المتة على روح عيسى أبو سليم ابن سهام».
ولأن وقت إرسال الرسالة المقلب كان وقت المغرب، وأغلب أهل الضيعة نيام أو «موبايلاتهم» خارج نطاق التغطية بفعل انقطاع الكهرباء، وصلت الرسالة في الصباح، وتهافت الجيران على ساحة الضيعة في انتظار صدقة المتة، وتناسوا السؤال عن المرحوم الذي أوصى بسيارة المتة قبل وفاته حسب الشهود العيان.
وبعد ساعات ملل ولا حول ولا قوة بوصول سيارة المتة، وتململ الجمهور ممن عندهم أشغال، عرفوا أن القصة مقلب من مقالب «أبو العيس»، واتجهوا لمنزله يرجمونه بوابل من الاستفهام والاستنكار!!
« معقول إذا لم تجد أحداً لحبك حيلة عليه، تصنع المقلب بحالك؟»
فقال جملته الشهيرة التي ذاع صيتها في ضيعته أكثر من جملة نجيب الريحاني وقت قال:
«إذا لم أكن لي والزمان شُرُم بُرُم، فلا خير فيي والزمان ترلّلي».
وأنهى قوله بلا اعتذار« يكفي أنني بالأمل والتمني سقيتكم متة على حسابي ولمدة شهر ولا أنتظر منكم الشكر ولا العرفان».