ملف «تشرين».. المغتربون ثروات تنتظر خارج الحدود .. بددها ضعف مبادرات المجالس المحليّة وافتقارها لمهارات التواصل والاستقطاب.. وثغرات تشريعية متفرقة أثّرت سلباً
تشرين- منال صافي:
استعداد المجتمع المحلي، وتحديداً المغتربين، للمساهمة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في مدنهم، والرغبة بوضع مدخراتهم للاستثمار في مجال الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات وغيرها من المجالات، تصطدم بحاجز التعاطي السلبي تجاه هذه المبادرات من أعضاء المجالس المحلية. . فلماذا لم تفلح المجالس المحلية في جذب استثمارات المغتربين لدعم التنمية؟ وهل المشكلة في القانون أم في تطبيقه، أم المشكلة بالمجالس المحلية بحد ذاتها، أم هناك تعقيدات أخرى خارجة عن الإرادة؟
حقاً مشكلة
من وجهة نظر الخبير الإداري عبد الرحمن تيشوري فالمشكلة ليست في القانون وهو ليس قاصراً، ومن خلال قراءة متأنية لقانون الإدارة المحلية الجديد الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /١٠٧/ لعام /٢٠١١/ نجد أنه قانون متطور ومهم ويمنح دوراً اقتصادياً وتنموياً كبيراً لمجالس الإدارة المحلية، وبرأيه أن هذه المجالس لم تفهم مضمون القانون، والبعض منها لا توجد لديه خبرات للتطبيق، على اختلاف المستويات، بدءاً من مجلس المحافظة ونزولاً إلى مجلس المدينة ثم مجلس البلدة وصولاً إلى مجلس البلدية.
تيشوري: القانون متطور، لكن أغلبية رؤساء وأعضاء المجالس لا يفقهون معنى “التنمية المستدامة”
ودورهم اقتصر على نقل القمامة وتصديق أوراق رسمية
وأشار إلى أن مواد القانون تضمنت أهدافاً تركز على الخطط التنموية الخاصة بالمجتمع المحلي، غير أن الأغلبية من رؤساء وأعضاء المجالس المحلية لا يفقهون ما معنى مصطلحات ” الدور التنموي” و”التنمية المستدامة” و”التنمية المتوازنة”، وبقي دورهم مقتصراً عند الجانب الخدمي من نقل قمامة وتصديق أوراق رسمية لا أكثر، وعند سؤالهم عن المشروعات التنموية التي تم إنجازها لا نجد إجابات تنم عن فهم.
وأوضح أن المادة /٣٠/ بالقانون تتحدث عن اختصاص المجالس المحلية في نطاق السياسة العامة للدولة، فهل يتابع أعضاء المجالس السياسة العامة للدولة؟
أما المادة /٣٢/ فهي تتحدث عن مجلس المحافظة ووضع الخطط لضمان التنمية المتوازنة والمستدامة في المحافظات، لكنهم لا يعرفون ما معنى” رؤية تنموية مستقبلية” للمحافظة اقتصادياً واجتماعياً، ولا يجيدون وضع خطط طويلة الأمد.
وكل ذلك – يضيف تيشوري- تعرف إليه طلاب المعهد الوطني للإدارة العامة، وما يشعرنا بالخيبة هو عندما نرى خريجين مؤهلين لإدارة المرافق العامة والإدارة المحلية يتم إبعادهم من الأماكن التي تم إعدادهم ليشغلوها، يجب عدم ترك المجالس التي لا تقوم بدورها حتى تنتهي فترة ولايتها، فكل مجلس لا يمارس دوره وصلاحياته وخاصة التنموية والاقتصادية يجب إعفاؤه وحله.
شرط المستوى العلمي
وشدد تيشوري على ضرورة أن يتمتع أعضاء المجلس بالكفاءة والخبرة والنزاهة للتمكن من القيام بعملهم، لأن أغلب الموجودين حالياً ليسوا قادة إداريين ولا يملكون المهارات والخبرات لإدارة هذه المجالس، وهناك بعض الشروط يجب العمل عليها في قانون الانتخابات وهي التركيز على المستوى العلمي للمرشحين والتركيز على التخصص العلمي، فلا قيمة لأي عضو في مجلس محلي لا يحمل إجازة جامعية اختصاص في الاقتصاد أو الإدارة أو القانون أو الهندسة، فحملة الشهادة الإعدادية لا فائدة منهم في مجالس الإدارة المحلية، توجد مصادر دخل كبيرة لكنها تنتظر جهود مجالس الإدارة المحلية لاستثمارها في تنمية مجتمعاتها، وعليها القيام بإنشاء مجمعات تجارية وورشات حرفية، والتركيز على السكن المناطقي.
تيشوري: يجب أن يكون أعضاء المجالس المحلية جامعيين والمجالس التي لا تقوم بدورها يجب حلّها فوراً
ونوه بأنه لم يسمع بأي مبادرة من رئيس مجلس مدينة أو محافظة دعا فيها مستثمراً في الداخل أو مستثمرين موجودين في المغتربات لبناء مجمع تجاري أو كتلة بناء سكنية، أو مشروع زراعي أو صناعي، فهذه المبادرات المهمة تقع على عاتق المجالس المحلية بهدف تعزيز الدور التنموي، وهناك فارق كبير بين الدور الذي تقوم به بلدياتنا وما تقوم به البلديات في كل دول العالم لجهة خدمة وتطوير مجتمعاتها، كما يجب تدريب رؤساء وأعضاء المجالس على مواد قانون الإدارة المحلية وقراءة المشروع الوطني للإصلاح الإداري حتى يكون لديهم فهم لدورهم.
تعقيدات وروتين متوارث
من زاوية أخرى، يرى الخبير الاقتصادي جورج خزام أن قضية مساهمات المغتربين واستثماراتهم لا تتعلق بتقصير المجالس المحلية في جذبها فقط، فالمسألة أكثر تعقيداً، فالمغترب بحاجة لسياسات اقتصادية جاذبة لتشجيعه على وضع (تحويشة العمر) في وطنه، إذ إن أي وثيقة رسمية تحمل عنوان (طلب موافقة) أو (طلب ترخيص) تعطي انطباعاً مباشرة بأن هنالك مسلسلاً طويلاً من التعقيدات والعقبات، يبدأ بالحلقة الأولى بتقديم الطلب وينتهي بمسلسل طويل من الموافقات والمراجعات والانتظار خلف المكاتب للحصول على الموافقة لبدء أي مشروع استثماري أو صناعي.
خزام: المغترب يحتاج إلى سياسة اقتصادية جاذبة ليضع «تحويشة العمر» في وطنه والمجالس تطبق التعقيدات البالية المتوارثة عن سابقتها
ولفت إلى أن مجالس الإدارة المحلية تطبق الروتين والتعقيدات البالية المتوارثة من المجالس التي كانت قبلها، وكلما كانت التعقيدات أكبر ، تراجع عدد المستثمرين الأجانب والمحليين والمغتربين، كما أن مجالس الإدارة المحلية ليست صاحبة قرار بتغيير الروتين والأوراق المطلوبة لبدء أي مشروع استثماري، لأنها تنفذ تعليمات الوزارة التي تطلب التعقيد بحجة تنفيذ القانون المتوارث.
كما أن مصطلح (طلب موافقة على مشروع استثماري) من مجالس الإدارة المحلية هو مصطلح هدام، لأن هذا العنوان يحمل احتمال القبول أو الرفض لتأسيس مشروع استثماري، ويجب استبداله بمصطلح (طلب البدء بمشروع استثماري)، الذي يعني أن الموافقة مقبولة مسبقاً من دون تعقيدات.
تساؤلات مشروعة
وطرح خزام جملة من التساؤلات: كيف سيأتي مستثمر أجنبي أو مستثمر سوري مغترب إلى الوطن ويُمنع عليه تداول الدولار مع تجريم التعامل به؟ وكيف سوف يقوم بادّخار أرباحه بالدولار إذا كان ذلك يعد جريمة بالقانون تعاقب بالغرامات الباهظة وبالسجن لسنوات؟
وكيف سيأتي مستثمر لتأسيس مشروع صناعي وممنوع عليه استلام قيمة صادراته بالدولار سوى بالسعر الرسمي المنخفض للمصرف المركزي؟ ما يكبده خسائر فادحة من فرق التصريف.
خزام: لتشجيع المغترب يجب أن تكون الجدوى الاقتصادية لمشروعه الاستثماري
في بلاده أعلى منها في المغترب
وتابع: إن وجود تقييد لحرية سحب ونقل الأموال من البنك يخالف كل قوانين السوق الحرة التي تجذب المستثمرين لها، وكل القوانين الهدامة للاقتصاد الوطني ولسعر صرف الليرة السورية التي لا تصلح لأي زمان ومكان هي عامل تنافر بين الاستثمار الصناعي في سورية و جميع المستثمرين في العالم.
جهة واحدة
ورأى خزام أن الحل الوحيد للخروج من دوامة التعقيدات لمجالس الإدارة المحلية والموافقات والتراخيص هو أن يتم تقديم الطلبات لتأسيس مشروع استثماري لجهة واحدة فإن كان المشروع صناعياً – على سبيل المثال- يتم تقديمه لوزارة الصناعة حصراً، والموافقة تكون مقبولة مقدماً بطلب واحد، وفي حال طلبت أي جهة رسمية أوراقاً من المستثمر الأجنبي أو المحلي عليها طلبها من وزارة الصناعة حصراً، وهي التي تقوم بتحديد ما إذا كانت هذه الورقة ضرورية أم لا، وفي حال ضرورة وجودها تطلبها من المستثمر.
وأكد أن المستثمر الأجنبي أو المغترب حتى يقوم بالاستثمار في سورية يجب أن تكون الجدوى الاقتصادية للمشروع في سورية أعلى من الجدوى الاقتصادية للمشروع في بلاد الاغتراب، وهذا غير موجود بسبب تقييد الأسواق وتراجع نسبة الأرباح المسموحة وفق بعض القرارات، وتعقيدات قوانين الجمارك للبضائع والمواد الأولية المستوردة، ما يؤدي إلى تراجع الأرباح ومعه تصبح فترة استرداد رأس المال الافتتاحي طويلة، كما يصبح الاستثمار الصناعي في سورية عديم الجدوى الاقتصادية.
خيارات وسياسات خاطئة
بدوره المحامي غالب عنيز عضو مجلسي الشعب ومحافظة دمشق لعدة دورات ركز على مجموعة من الملاحظات والأسباب التي أدت إلى ضعف الأداء في مجالس المحافظات والمجالس المحلية وأهمها المحسوبيات التي أدخلت أشخاصاً غير أكفاء إلى هذه المجالس، لافتاً إلى وجود تقصير بموضوع جذب الاستثمارات، وعلى الرغم من الطرح المتكرر لضعف الموارد في كل المجالس المحلية وخصوصاً المناطق المتضررة بفعل الإرهاب التي تحتاج إلى إعادة إعمار وتأهيل البنى التحتية، لكن المبادرات قليلة، وهناك ضعف بالتعاون بين السلطات الإدارية والمجالس المحلية وبين المجتمع الأهلي والسبب عدم الثقة.
الدكتور عنيز: عدم الثقة السبب بضعف التعاون بين السلطات الإدارية والمجالس المحلية والمجتمع الأهلي
وأشار إلى أنه من جملة الأخطاء المرتكبة، على سبيل المثال، شارع لا يحتاج الى تعبيد وهناك شوارع يجب أن تحظى بأولوية لكن المحافظة تقوم بقشر طبقة الإسفلت وإعادة فرشه على الشارع الذي لا يحتاج إلى تعبيد، فقط لأن هذا الشارع وضع في الخطة، وتترك الشوارع الترابية يغوص أهلها بالوحل والطين خلال الشتاء، هذا على مستوى دمشق فكيف يكون الأمر على مستوى الأرياف؟
ولفت الدكتور عنيز إلى أن عدم توافر المرتكزات الأساسية للعمل، بسبب الحصار والظروف الاقتصادية، جعل البعض يستغل هذا الأمر ويضعه شماعة لتبرير التقصير في أداء مهامه، مبيناً وجود إمكانات لإقامة المشروعات الاستثمارية في كل المناطق، لكن تقصير المجالس المحلية والوحدات الإدارية أدى إلى تراجع كبير في الواردات .
وأشار إلى أن إشكالية النقص في أسطول العمل وعدم توافر الآليات التي تحتاجها المحافظة والوحدات الإدارية والمجالس المحلية للقيام بأبسط الخدمات، استطاعت مناطق كدير عطية من خلال المجتمع الأهلي أن تتجاوزها، وبفضل هذا التعاون نجد أن الخدمات فيها تضاهي الدول الأوروبية، وهي مثال يحتذى به ويجب الاستفادة من تجربتهم وتعميمها، فالتعاون شبه مفقود في بقية المجالس لأن اختيار الإدارات خاطىء.
ونوه بأن أصحاب القرار يتبعون سياسة (تهميش وتطنيش وتطفيش) مع كل شخص يقدم مبادرة من المجتمع المحلي إن كانت لا تناسب مصالحهم الخاصة.
اقرأ أيضاً: