رسالة اقتصادية للجنتنا الاستثنائية المشتركة الموقرة
يترقب الشعب السوري الاقتراحات التي سيتقدم بها أعضاء اللجنة المشتركة بين المؤسستين (التشريعية والتنفيذية) والتي جاءت بعد جلسة استثنائية مشتركة للمؤسستين بتاريخ 24/7/2023 لمناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي وسعر الصرف لليرة السورية، وقد أشار السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس إلى الصعوبات والتحديات التي تواجهنا وقال”تحركنا ضمن رؤية وطنية بل سياسات وطنية والموضوع يتجاوز عمل الحكومة ليشمل الجميع من خلال طرح المقترحات والخيارات الوطنية والمبادرات الشخصية … إلخ”، و مهمة اللجنة تقديم مقترحات عملية وفاعلة للنهوض الاقتصادي والمعيشي والمالي والنقدي وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف وتحسين مستوى المعيشة للشعب السوري، فإننا وانطلاقاً من هذا واستكمالاً لما كتبناه في جريدتنا تشرين بتاريخ 25/7/2023 بعنوان ( وجهة نظر اقتصادية … فقط ) وانسجاماً مع الأسئلة الاقتصادية الكثيرة حول الواقع الاقتصادي السوري الحالي، فإننا نرى أن الواجب الوطني يقتضي منا جميعاً المساهمة في نجاح عمل اللجنة الموقرة لتكون سورية اليوم أفضل من البارحة وغداً أفضل من اليوم وليتحقق النصر الاقتصادي مع العسكري والسياسي، وبذلك يكون ردنا على الأعداء والحرب والإرهاب من (داعش والنصرة وقسد والحصار الاقتصادي والمتضمن عقوبات وحصاراً على سورية والتي سببت تداعيات سلبية على البشر والشجر والحجر ) وانعكست سلباً على كل المؤشرات المجتمعية، وهذا يتطلب الابتعاد عن ردود الفعل والعبارات الشعبوية.
برأينا نحتاج إلى رؤية علمية اقتصادية تعالج الخلل الاقتصادي والانطلاق من الواقع والإمكانيات والموارد المتاحة بعقلية تعتمد (جراحة عصبية اقتصادية) وتحت الخيمة الوطنية ونقترح مباشرة ما يلي:
1) رفض ظواهر الاستسلام بل الإصرار على الانتصار على تداعيات الحرب التي بدأت بتاريخ 15/3/2011، ويكون هذا من خلال تفعيل ( الإرادة والإدارة )، وأقصد إرادة وطنية صادقة مخلصة وإدارة علمية تقيس عملها وفقاً لمبدأ المؤشرات الاقتصادية ومنها ( زيادة القيمة المضافة والناتج والإنتاجية والمردودية وتحسين عمل المنظومة الإدارية وتجسيد إجراءات وأهداف الإصلاح الإداري في تحسين رؤوس المربع الاقتصادي السحري المتضمن [ زيادة متوسط الدخل وقيمة الناتج الإجمالي وتقليل معدل التضخم ومستوى البطالة ]، وطريقنا لذلك الاستغلال الأمثل لمواردنا المتاحة ومكافحة الهدر والفساد وزيادة الكفاءة والإنتاجية والمردودية وتطبيق (الحساب الاقتصادي) أي زيادة مردودية الليرة السورية الواحدة المصروفة .
2) اعتماد الواقعية الاقتصادية وربط السبب بالنتيجة أو العلة بالمعلول والاقتصاد الكلي بالجزئي، والفصل بين العوامل الخارجية أي الخارجة عن إرادتنا والداخلية الذاتية أي القرارات التي نصدرها، وخاصة أن أغلب مواردنا يسيطر عليها المحتلون وواجب الجميع التعاون لطردهم وتحرير أرضنا، وأن هذا سببّ لنا حالة إدارية هي من أصعب أنواع الإدارات وندعوها (إدارة النقصان) بسبب وجود (فجوة تسويقية) كبيرة بين العرض الكلي والطلب الإجمالي ولا سيما سيطرة القوى الاحتلالية وذيولها على أكثر من /62%/ من ثروتنا الوطنية ولا سيما في الشمال والجنوب السوري، ما اضطر الحكومة السورية لاستيراد الكثير من المنتجات التي كنا نصدرها وتمول أكثر من /65%/ من موازنتنا السنوية، وسببت ضغطاً على الاحتياطيات النقدية في البنك المركزي ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بما فيها الدولار وهو سلعة لكن لها خصوصيتها.
3) اعتماداً على الفقرتين السابقتين أي ( 1و2) ومع الأخذ بعين الاعتبار أننا في ظرف غير عادي فإننا نحتاج إلى إجراءات غير عادية، وقد لا تكون صحيحة على المدى المستقبلي الإستراتيجي، لذلك نقترحها كحلول إسعافية ولمدة لا تزيد على /6/ أشهر، وتعتمد على ترتيب الأولويات حسب تأثيرها على المستوى المعيشي وسعر الصرف، وهذا يتطلب توصيف الواقع المتاح (بموارده ومتطلباته)، لأن التوصيف يساعد في وضع الحلول، والمسؤولية هي مسؤولية الجميع أياً كان موقعهم وخاصة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع الإشارة إلى وجود من يستفيد من تداعيات الحرب والفساد.
4) بعد الخطوات السابقة يجب وضع الخرائط الإنتاجية والاستثمارية وخاصة لقطاع الإنتاج (الزراعة والصناعة) واستنفار الموارد لزيادة معدل النمو وهو السبب في زيادة قيمة الناتج (القيمة المضافة) أي زيادة انسياب السلع والخدمات إلى السوق، وهذا يؤدي إلى زيادة الانسجام بين الطلب الكلي والعرض الإجمالي أي تقليل الفجوة التسويقية ومعدل التضخم، واقتصادياً نقول إن التضخم النقدي كالملاريا يجعل الحياة كريهة، ويترافق هذا مع فتح واستحداث جبهات عمل وتشغيل اليد العاملة وبالتالي تقليل معدل البطالة، والبطالة هي آفة اجتماعية إضافة لكونها شكلاً من أشكال العطالة الاقتصادية.
5) العمل مباشرة بعد الخطوات السابقة لدراسة البنية التشريعية والتنظيمية الناظمة للعمل الاقتصادي والكفيلة بتفعيله، وإلغاء كل ما يعرقل الانطلاقة الاقتصادية وتفعيل الدورة الاقتصادية، وكمثال على ذلك إلغاء (منصة تمويل المستوردات) الصادرة بالقرار /1070/ نهاية شهر
( آب سنة 2021 )، وأيضاً إعادة النظر بالقرار اللاغي لها وهو القرار /970/ تاريخ 17/7/2023 ، وإعادة النظر بالقانونين ( 3و4) سنة / 2021/ وإلغاء تأمين /25%/ من المستوردات إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتخفيف القيود على إدخال القطع الأجنبي إلى سورية …. إلخ . لأن القطاع الخاص يشكل /65%/ من قيمة الناتج المحلي الإجمالي وهو الفاعل الأكبر في السوق النقدية المالية، ولذلك يجب برأينا اعتماد (مصيدة الدولار) أي جذب الدولارات داخلياً وخارجياً وتوجيه المدخرات الدولارية إلى محفظة البنك المركزي باعتماد سعر صرف واقعي يحدده مجلس النقد والتسليف وبالتشارك مع المصارف العامة وشركات الصرافة من بيع وشراء للقطع الأجنبي وبكل شفافية، وأن يترافق هذا مع نشرة أسعار يومية تصدر عن بنك البنوك أي المصرف المركزي، ويجب ألا يكون الفارق بين السعرين ( السوداء والحكومية ) عن +_5%.
6) بعد الخطوات الخمس السابقة يجب أن نحدد القطاعات المولدة للدخل وفي مقدمتها دعم المشاريع الإنتاجية الصغيرة والأهلية وتقديم التسهيلات بعيداً عن البيروقراطية، وبما ينسجم مع خطة اقتصادية تقوم على الربط بين الزراعة والصناعة أي (التصنيع الزراعي)، أي أن تكون مخرجات الزراعة من (منتجات نباتية وحيوانية) مدخلات للصناعة، وبالتالي نضمن عدم تصديرها كمواد خام بل سلع مصنعة ونصف مصنعة فنزيد من القيمة المضافة والربحية الوطنية ونفسح المجال لتشغيل اليد العاملة أي تقليل معدل البطالة وتحسين متوسط الدخل أي تحسين مستوى المعيشة، ومن جهة أخرى دعم المشاريع الصناعية التي تعرضت للتخريب والتدمير وبشروط ميسرة عن طريق التمويل اللازم، وخاصة الصناعة التحويلية التي تقود القطاعات الأخرى . وهذا يساهم في ترسيخ وتفعيل (العناقيد الصناعية) أي توطين صناعات متكاملة تنعش القطاعات الحكومي والخاص والأهلي يستفيد كل منها من الآخر في منطقة واحدة بما يكفل تقليل التكلفة وزيادة الإنتاجية.
7) إعادة النظر بالرسوم والضرائب وأن يكون الهدف هو استبعاد كل تكلفة تعرقل الانطلاقة الاقتصادية ضمن إطار دراسة الوزن النوعي لكل بند من بنود التكلفة الإجمالية للسلعة المدروسة، والتأكيد على أن تحقيق الربح لا يكون بزيادة السعر بل بزيادة وتفعيل التسويق وزيادة الكميات المسوقة وفق المعادلة التالية :
الربح الإجمالي = عدد الوحدات المسوقة × ربح الوحدة الواحدة.
8) تعزيز التنافسية وإلغاء الاحتكار وهي الطريقة المثلى لتخفيض الأسعار، وهذا يتطلب فتح باب الاستيراد والتصدير وبما يتناسب مع الثوابت الوطنية أي الابتعاد عن استيراد كل سلعة تنتج في الوطن أو مشابهة لها، وتشجيع الصادرات ودعمها وهي المولد الأكبر لتأمين القطع الأجنبي، والمحافظة على المعادلة الناظمة لذلك والتي تدعى ( معدل التغطية ) ونعبر عنها بالمعادلة التالية [ قيمة الصادرات منسوبة أو على / قيمة المستوردات ] ×100، ويجب ألا تكون أقل من [1] بالقيمة المطلقة أو 100% بالقيمة النسبية، وهنا اقترح تطبيق ربط الاستيراد بالتصدير أي إمكانية تداول القطع الأجنبي بين المصدرين والمستوردين أو أن يغطي المستورد تكلفة صادراته، وبالتالي نخفف من الضغوط على (احتياطيات البنك المركزي) ، مع التذكير بأن (سعر الصرف) هو نتيجة وليس سبباً، لأن سعر الصرف هو سعر عملة مقابل عملة أخرى، وبالتالي كلما زادت الاحتياطيات الدولارية في بنكنا المركزي ساعدنا في التحكم بسعر الصرف، والدليل عندما كانت صادراتنا قبل الحرب بحدود /10/ مليارات دولار استطعنا أن نحافظ على سعر صرف قدره /47/ ليرة للدولار +_4% هامش تذبذب. وهذا يتطلب فتح مجال الاستيراد على قاعدة التنافسية، ويمكن عند الاستقرار بعدها اللجوء إلى المصارف المحلية لتمويل المستوردات.
9) التوجه لتنظيم عمل القطاع الاقتصادي (غير الرسمي أو اقتصاد الظل) الذي يشكل الآن أكثر من /75%/ من قيمة الاقتصاد الوطني ولكن تحت إشراف الحكومة، وتسهيل عمله بما يضمن انسياب السلع والخدمات إلى السوق ويساهم في رفد خزينة الدولة من خلال تسديد المستحقات المترتبة عليه ومكافحة التهرب الضريبي الذي يبلغ تريليونات الليرات السورية، وكمثال على ذلك إلغاء ربط السجل التجاري بعدد العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية بل البحث في زيادة الإعفاءات الضريبية مقابل عدد العمال المسجلين.
10) تحديد ضابط إيقاع بين كل الجهات والمؤسسات والوزارات والفعاليات التي لها علاقة بالشأن الاقتصادي، وتطبيق بعض الإجراءات المؤقتة مثل (دعه ينتج دعه يسوق ودعه يعمل دعه يمر – التنسيق بين السياسات النقدية والمالية والاستثمارية والتجارة الخارجية) للوصول إلى (المزيج النقدي الأمثل)، وعلى أن تسير هذه
السياسات في اتجاه واحد مع المحافظة على خصوصية كل منها.
11) تسهيل وتفعيل إجراءات قبض الحوالات المالية من الخارج والتي تبلغ بحدود /6/ ملايين دولار أي شهرياً نحو /180/ مليون دولار، سنوياً بحدود /2/ مليار دولار، وعندها يتم التحويل عبر المؤسسات الرسمية ويتم التخلص من المضاربة والتهريب إلى الأسواق الخارجية واستغلال الفارق بين سعر الحوالة الرسمية وفي السوق الموازية.
12) تفعيل عمل المناطق الحرة وزيادة فعاليتها الاقتصادية من تصدير واستيراد، وزيادة التنسيق بينها وبين عمل مؤسستي التجارة الداخلية و التجارة الخارجية ومع مديرية الجمارك واتحاد غرف الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة وغيرها مع التوجه لتوحيد القوانين الضريبية في قانون واحد.
ملاحظة: أشير هنا إلى أن الاقتراحات الاثني عشر هي جزء من الاقتراحات التي سأذكرها لاحقاً، وأرجو أن ترقى إلى المستوى المطلوب، عملاً بالقول (من اجتهد وأصاب له أجران ومن اجتهد وأخطأ له أجر) ولكن فوق كل ذي علم عليم.