حركة عدم الانحياز من باندونغ إلى باكو وسورية؟
تعد حركة عدم الانحياز ثاني أكبر تجمع دولي بعد منظمة الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها حاليا /120/ دولة تشكل نسبة أكثر من /60% / من دول العالم إضافة على /17/ دولة عضو مراقب و/10/ منظمات دولية، تأسست الحركة عمليا بعد مؤتمر (باندونغ في أندونيسيا) سنة /1955/ أي قبل/68/ سنة وبدعوة مباشرة من رئيس مصر جمال عبد الناصر ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو و رئيس يوغسلافيا السابقة جوزيف بروست يتو وغيرهم، ولكن هؤلاء يعتبرون بمثابة الآباء المؤسسين للحركة، وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح عدم الانحياز استخدم سنة /1953/ من قبل فينجانيل كريشنا مينون وهو وزير الدفاع الهندي في أول حكومة هندية تشكلت بعد استقلال الهند برئاسة السيد جواهر لال نهرو وكان المصطلح يعني اعتماد سياسات حيادية ومناهضة الاستعمار والتبعية واستخدمه السيد جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند سنة/ 1954/ في قمة الصراع بين المعسكرين (الشرقي) بقيادة ( الاتحاد السوفيتي السابق ) والمعسكر الغربي بقيادة (الولايات المتحدة الأمريكية) واشتداد قرع طبول الحرب الباردة بين البلدين، واستمرت اجتماعات الحركة وآخرها اجتماع وزراء خارجية دول الحركة بتاريخ 5و6/7/2023 في العاصمة الأذربيجانية ( باكو ) ويعقد الاجتماع تحت عنوان (متحدون وصامدون في مواجهة التحديات الناشئة)، وستستلم
(أوغندا) رئاسة الحركة من أذربيجان، وشاركت سورية في الاجتماع بوفد رفيع المستوى ترأسه السيد وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد وقد شكر السيد الوزير قيادة أذربيجان على احتضانها للاجتماع و أوغندا على استضافتها القادمة، ومن ثم أشار إلى أمور في غاية الأهمية ومنها نذكر على سبيل المثال وليس الحصر أن من اهم التحديات التي يشهدها العالم حاليا سياسات الهيمنة والاستقطاب والضغوط التي تمارسها بعض الدول الغربية بقيادة أمريكية ناتوية على الكثير من دول الحركة، وهذا يتطلب موقفاً موحداً من قبل دول الحركة للوصول إلى عالم أكثر أمناً يسوده السلام والتعاون قائم على احترام سيادة الدول واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية وبما ينسجم مع الشرعية الدولية وسيطرة قوة القانون لا قانون القوة،والمحافظة على مبادئ مؤتمر باندونغ لمواجهة المشاكل التي يواجهها العالم حاليا. وتوجه السيد الوزير بالشكر لكل الدول وخاصة دول الحركة التي وقفت إلى جانب سورية في مواجهتها الإرهاب العالمي ومساندتها في تجاوز الأضرار التي سببها الزلزال المدمر بتاريخ 6/2/2023 والحرب الظالمة التي تتعرض لها سورية منذ أكثر من /12/ سنة أي أكثر من مدة الحربين العالميتين الأولى والثانية، وترافقت مع إرهاب اقتصادي من عقوبات وحصار مفروضين على الشعب السوري ما أساء للبشر والشجر والحجر وأعاق الجهود الكبيرة التي تبذلها القيادة السورية لتعجيل التعافي المبكر وتفعيل الحركة الاقتصادية وتوفير الخدمات الحيوية الضرورية لعودةٍ كريمةٍ للاجئين والمهجرين إلى مناطقهم الأصلية، وتحسين مستوى المعيشة للشعب السوري. وطالب دول الحركة بإدانة القطبية الأحادية والإجراءات التي يقوم بها الكيان الصهيوني من اعتداءات على فلسطين وسورية ولبنان وعدم تطبيق القرارات الدولية وخاصة /242 و338 و497/ بإنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية والعودة إلى حدود 4/6/1967 وعدم المس أو التغيير في الوضع القانوني والجغرافي والديموغرافي للجولان العربي السوري المحتل ورفض وجود كل القوى الاحتلالية في سورية وغيرها من دول الحركة، ويجب أن تسعى دول الحركة لاتخاذ موقف واضح من سياسة التهميش التي تمارسها الدول الغربية، وأن تضع خططا اقتصادية للتأقلم الإيجابي مع المتغيرات الدولية المتسارعة وتغير موازين القوة العالمية ومواجهة الإرهاب وبؤر التوتر وزيادة معدلات التنمية الاقتصادية وتخفيض معدلات الفقر والبطالة واعتماد سياسة الاستقرار النقدي والمالي والدعوة إلى حفظ السلم والأمن العالميين …إلخ ، وبما ينسجم مع مبادئ الحركة في مؤتمرها الأول والتي أطلق عليها ( المبادئ العشرة) والمعبرة عن جوهر الحركة وتضمنت المعايير التي بموجبها يتم قبول أي دولة في الحركة، وخاصة (حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية للدول؛ ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الانتماء للأحلاف العسكرية متعددة الأطراف، وابتعاد دول حركة عدم الانحياز عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، والكفاح ضد الاستعمار بكل أشكاله وصوره، والكفاح ضد الاحتلال، والاستعمار الجديد، والعنصرية، والاحتلال والسيطرة الأجنبية، ونزع السلاح، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعايش بين جميع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وتدعيم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلاً عن التعاون الدولي على قدم المساواة….إلخ ، وهنا نتمنى أن توضع (خارطة طريق ) لمواجهة هذه التحديات الدولية وغيرها، وترتسم أسس التعاون بين دول الحركة لتنفيذ خطط التنمية المستدامة لسنة /2030/ ، وخاصة أن الرئيس الأذربيجاني حيدر علييف وهو رئيس الدولة المستضيفة دعا إلى ضرورة إجراء إصلاحات كبيرة في كل المنظمات الدولية التي لم تعد قادرة بسبب الضغوطات الخارجية على تلبية تطلعات المجتمع البشري ، بل قال أكثر من هذا: “مجلس الأمن الدولي بات من مخلفات الماضي، ولم يعد يعكس الواقع الحالي ويجب توسيعه ليصبح أكثر تمثيلاً وعدلاً من الناحية الجغرافية”، وطالب بمقعد دائم للحركة في مجلس الأمن، فهل تضع دول الحركة أسس نجاحها في مسيرتها من (باندونغ الأندونيسية) إلى (باكو الأذربيجانية) وتنطلق بشكل أقوى في (كمبالا الأوغندية) في ظل تراجع قوة دول الاستعمار القديم والحديث؟ هذا ما نرجوه.