إدارة من ليس معنا ضدنا!
مشكلة قطاعنا العام الرئيسة هي “الإدارة” والمتتبع لمسيرة مؤسساتنا الحكومية على اختلافها وتنوعها، يدرك تماماً حجم ما تعانيه من حلقات ضعف في مفاصل إدارية كثيرة، سواء إدارة الإنتاج أم التسويق، وحتى ممارسة العمل الإداري ذاته، الذي تحكمه محسوبيات متعددة الأطراف ومصالح أغلبها منفعة ولو على حساب الكل، من خلال شعار يستخدمه معظم أهل الإدارة ويختبئون خلفه, ولو لم يمارس بالصورة العلنية لكنه بالخفاء، من تحت الطاولة، خلف الكواليس معمول به، والذي لا يغيب عن ذهن أي موظف، وهذا الشعار “من ليس معنا فهو ضدنا” وللأسف حتى هذا التاريخ موجود, ومعمول به تحت حجج كثيرة, وبهذه الصورة تم تطفيش معظم خبراتنا الوطنية، واليد العاملة التي تدربت وصقلت موهبتها على خطوط الإنتاج في الشركات والمؤسسات العامة، فكان ملاذها القطاع الخاص، أو الهروب إلى الخارج بحجة ضغط المعيشة ومسميات أخرى (ظروف خاصة) إلى أن أصبحت معظم الجهات العامة بلا خبرات، وخاصة في الصفوف الأولى, حيث تجد مواقع عدة في العمل يشغلها مدير واحد, فمثلاً في إحدى الشركات الإنتاجية مدير يشغل مدير إنتاج وتخطيط ومالي, وغيره كثير.
والبحث في الأسباب أيضاً نجده متعدداً, الكثير يراها في ظروف الأزمة الحالية, والحرب الكونية والاقتصادية المفروضة على بلدنا, وآخر يراها موروثاً منذ عقود مضت، فالإدارة تحكمها سلطة الأنا التي تحمل صفات الفوقية المدركة لكل مفاصل العمل, هي الوحيدة العارفة بكل شيء وبقية الإدارات تجهل العمل وما حولها, وتبدأ ترجمة هذه الفوقية بتوجيهات غالباً ما تعكس سلبية في العائد المادي والإنتاجي، وحتى على الواقع الإداري ذاته، لأنها تخلق جواً من التململ لدى العاملين على اختلاف شرائحهم ودورهم في الإدارة والإنتاج، وهذه مسألة خطيرة جداً طفت على السطح خلال سنوات الأزمة, في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة لكل الخبرات واليد العاملة في كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية.
وما يسعفنا بمعالجة تتماشى مع الواقع هو الخلاص من هذا النوع الإداري الذي يحمل صفات الأنا وشخصنة العمل والفوقية في الأسلوب ومعاملة العاملين, والتمرد على الحالة الاجتماعية والاقتصادية بقرارات وتعاميم يُغلفها طابع الصالح العام، وتسخيرها بصورة غالباً ما تخدم منافع مخفية يحاولون الاختباء خلفها واتخاذ أسلوب إداري قوامه: “من ليس معنا فهو ضدنا” وعليه تُحارب مفاصل العمل الإدارية الأخرى ويتم إقصاؤها عن ممارسة العمل ولو بقيت في مكانها، وهذه ظاهرة يجب التخلص منها رحمة بالقطاع العام وموظفيه, من دون أن ننسى إدارات مازالت موجودة همّها الصالح العام في كل حساباتها.