جالسٌ مع نفسي، ووصل الجَدَل بيننا حدَّاً لا تُحمَد عقباه، فكلَّما حاولت أن أضغط عليها بشدّة، أكتشف أن خطوط دفاعها قوية ومن الصعب تجاوزها. وما إن أُفكِّر باقتناص فرصة هدف، أحشد لها خطوط الوسط والهجوم، والأجنحة، حتى تتهاوى آمالي دفعة واحدة من خلال شارة التَّسلُّل التي تُرفَع في وجهي. أعود لدوزنة خياراتي وشنّ هجوم معاكس بوتيرة أسرع وأشدّ، حتى أفاجأ بحارس مرمى نفسي وقد أفشل خطَّتي وأعادني إلى نقطة البداية.
جرَّبت الأساليب كلها التي أعرفها، وغيَّرت إستراتيجياتي أكثر من مرة، ولعبتُ على التكتيكات، لكن بلا جدوى، إذ إنَّ نفسي الأمّارة بالسوء، تحفظني عن ظهر قلب، وغالباً ما تسبق تفكيري. لذا خرجت من مباراتي معها بالتعادل السلبي، لكن أيضاً بلا فرحة النصر، وتالياً لم أستطع التأهل حتى إلى الدور الثاني، لكن يكفيني شرفاً أنني لعبت بروح رياضية حتى النفس الأخير.
طبعاً كل ذلك وأنا أُفَكِّر، بيني وبين نفسي، كيف أستطيع أن أؤمن حضوراً آمناً لمونديال 2022، فالكهرباء دائماً ترفع الشارة الحمراء، وإن حاولت متابعة المباريات أونلاين على موبايلي فإن فظاعة الإنترنت كفيلة بتحويل نعمة المستديرة إلى نقمة على وزارة الاتصالات وأبراجها وبطارياتها المتهالكة، وحتى لو اكتفيت بمتابعة المباريات المهمة في مقهى متواضع مع كأس شاي خمير أو فنجان قهوة سادة، فإن جيبي ستفتح فاهها إلى الحد الأقصى، وبالتالي فإن زوجتي، باعتبارها الحكم الحاسم في مباراة حياتي، ستُعلِن طردي لأنني خالفت بدهيات اللعبة، وتسبَّبت بأضرار جسيمة لا تُسرّ الخاطر، لذا لم يبقَ أمامي سوى “السلبطة” على بعض الأصدقاء أصحاب المولدات والبطاريات الخارقة، أو الذين ركبّوا ألواح طاقة شمسية تقيهم ذُلّ العتمة والظلامات المديدة، وحينها فقط أستطيع القول إنني اخترقت دفاعات نفسي وسجَّلت في مرماها أهدافاً لا تُحصى، فهل من مُستجيبٌ لـ”سلبطتي”، بشرط ألّا يبعد سكنه عن محيط بيتي أكثر من 5 كيلو مترات؟ فأنا أريد أن أتنفس هواء المستديرة وأعيش شهراً من الدراما الصافية.
بديع صنيج
25 المشاركات