ظاهر في كل شيء!
أفتشُ في صفحات الدهر، فأجد أكثر ما تكون الحروب والأزمات والأوجاع! تولد منها الرياح العاتية فتعصف بالأرواح تمزقها أشلاء ولا تنظر وراءها, وتترك في كل مكان تخربه “غفلة” عن سبع من العقبات.. جاءت بالويلات والآهات التي تنخر في ضمير الناس وتستعدي عليهم معيشتهم, أقساها على النفس الطمع وطلب ما في أيدي الآخرين, وكم من ثراء انقلب وبالاً على صاحبه ويطمع بالمزيد .. وكل زمن يضيع في الحسد والتحسر ينقص من عمر الإبداع والجهد ويعقب في النفس ظلمات.
ثم تكون الأنانية كأن كل ما على الأرض لا يكفي صاحب الشهوات فيطلب المزيد لنفسه ولو جاعت الأرواح، ويتضخم ذاته، وتقلّ هيبته، وتخبث نفسه فيجلد بسوط عزلته ويتلاشى هباء منثوراً كأن لم يغنِ بالأمس !
ورب جهل يولد من ظلمة الأنا فتضيق الدنيا بصاحبها، يأتيها يميناً فتعرض عنه شمالاً، ويلهث خلفها فتهرب كالرمال من بين أصابعه، يكون النهار جلياً أمامه لكنه لا يبصر كالأعمى, و«هل يستوي الأعمى والبصير»؟
وإذا ما تلفّتّ حولك هالك انتشار الأكاذيب التي تنتشر في كل الجهات كأنها سموم الحريق تفسد الهواء وتخنق الصدور، ويصبح المجرم والبريء في عتمتها سواء، ويشتد هلاك الأرواح بأغلالها، فتغيب عن الحياة الفصول، وتموت الأشجار لأن الأكاذيب لا تأتي بخير أو ثمار.
ثم تكون الدسائس وكل من يحفر حفرة لأخيه يقع فيها، ويزيد بالحفر علّه ينجو! فيتجرع من كيده وما له من شفيع، ويتمسك بأسمال الخيانة، يرمي بشباكه الأبرياء قاصداً ضرب «الحابل بالنابل» لينجو بنفسه، وإذا بحباله تلف عنقه، وتقطع أنفاسه، وتنهال عليه سوط عذاب, وحين تسأله من سلكك في غفلة فيقول: الحسد والكبر والحقد والغضب والشح والبخل وحب الرياسة والقساوة والفظاظة والقلق وما سواها من العيوب .
أما الأيام إذا ما ابتلي بها الناس فهي ما بين الأمس والغد تمر مرّ السحاب، وتشتاق الأنفس للوصول إلى الطمأنينة، فمن تغلّب على غفلته لامس الحكمة.. فالراحة لا تدرك إلّا بعد التعب، ولا يحصل الظفر إلّا بالطلب، ولا نصل إلى السعادة إلّا بتجاوز العقبات، فمن جرّد ظاهره عن المغريات والشهوات، وجرد أيضاً باطنه من الغش والكره انتصر على ضعفه، فصارت نفسه كالشموس المضيئة تتطلع إليها الآمال والأمنيات .