نيل درجة الحب!
عندما بلغ اليوم الجديد الفجر وانكشفت له الأنوار، استعدت الروح لكسب المواهب التي ترد عليها ورود السحاب، فإذا بها بنهر من المعارف والكشوفات والطمأنينة والحكم والعلوم والأسرار ما ترتوي منها القلوب من خزائن الروح، حط اليوم الرحال فقد عبر من ذرات الفيزياء والكيمياء إلى لاهوت الفيزياء والكيمياء..
ما وراء الفيزياء والكيمياء.. لقد طلب الإنسان العلم وحده فحرم من الأنوار! وطلب التكنولوجيا فحرم من الإنسانية! خرج إنسان الحضارة الحديثة وقد أتعبته القوانين يبحث عن الفجر، يراه بعين قلبه، كان متشوقاً وأكثر حماسة من أعماله بالمختبر، لقد خرج الى الكون يكتشف ويتبصر ما أضاعه.. واليوم يبحث عن السر الذي لا يدركه المرء بمال أو قوة أو سلطة ولا حتى سلطة العلم التي خبرها جيداً وأقام الدنيا ولم يقعدها باكتشافاته عن عمل الذرات وقدرتها المخيفة, ووصل إلى السر المكنون خلف ما وراء العلم، وبدأ رحلته ولأول مرة من دون معدات وأدوات.. حمل قلبه واستقبل الكون بروحه ومضى.. دليله ما تهمس به الروح و ما تمنحه من عطاء.
الماضي والمستقبل يحمل كلاهما في جعبته؛ الأول في ذاكرته والثاني في بصيرته ويجر في طريقه أحوالاً متغيرة ومتقلبة ويتطلع لمن يملك الماضي والمستقبل والأوقات والأحوال ويتصرف بالكون ممتلكاً الإرادة والمشيئة.
تهفو الروح إلى الفجر، إلى المعرفة الحقة، فيتلمس الإشارات ويتدرج ما بين البوح والصمت، وكلما اقتربت الأنوار من قلبه أدرك أن العارف لا يركض سعياً وراء الطلب، وينشغل بمن لديه العطاء، فيعطي الروح التي انغمست في بحر حبه كنوزاً لم تخطر على بال، ولم يحلم بطلب جوهرة منها.. فالعطاء بالحب لا يمت إلى طلب الود من المحبوب بصلة، وإنما هو نهر يتدفق من الأحاسيس والمشاعر التي تصدق لدرجة الشفافية والصفاء وتكون خالصة للحبيب من دون سؤال المقابل، وحين يرتقي المحب بروحه تهطل عليه عطايا من مشاعر لم يكن ليصل إليها إلّا بمرتبة صدقه، فيسعد بها أشد ما تكون السعادة وتكون غلته وفيرة ونادرة، ويكتشف ما لم يكتشفه الكثيرون من المدعين وما لا يعرفه إلّا قليلون، فيصير ولعه بمنبع الحب وأصله لا بظاهره..