عليكم الانتظار إذاً!
ماذا تنتظر أوروبا بعد الذي حلّ بها من تداعيات الأزمة الأوكرانية والعقوبات المرتدّة عليها التي فرضتها على موسكو؟ ماذا تنتظر وهي على موعد مع خريف سياسي حار ومع شتاء أشد قسوةً وموجات ذعر تجتاح مدارسها؟ إذا كانت تنتظر الإنقاذ من واشنطن أو تنتظر مارداً ليقدم لها حلولاً سحريّة فعليها إذاً الانتظار كثيراً.
على أوروبا أن تدرك في هذه المرحلة أكثر من أيّ وقت مضى أن الأمريكي الذي زجّها في صراع مع روسيا عبر أوكرانيا ليس في وارده أبداً الإنقاذ أو البحث عن حلول ليست آنية فحسب، بل ليس في وارده البحث عن حلول للمرحلة المقبلة حتى، فأوروبا التي يعاني اقتصادها، ويعاني مواطنوها، هي أحوج ما تكون لحلول مقبلة حتى تستطيع النهوض مجدداً، وحتى يتمكن السياسيّون من إعادة كسب ود الأوروبيين، وعليها أن تدرك أن واشنطن أشعلت الفتيل، لكن أوكلت إليها مهمة الإطفاء، إن تمكنت، قبل فوات الأوان.
المقصود من إشعال أمريكا فتيل الحرب في أوكرانيا هو استنزاف روسيا تماماً، كما حصل في أفغانستان أيام السوفييت، و”تحجيم” قوتها وصعودها، لكن ذلك ارتدّ استنزافاً أوروبياً، سياسيّاً واقتصاديّاً، وخوف المواطن الأوروبي من النخب السياسيّة التقليدية الحاكمة والسعي للتغيير.
وبلمحة سريعة لكل الأحداث الدولية الراهنة والسابقة والأزمات والصراعات والحروب العبثيّة التي افتعلتها أمريكا، نجد كيف عمدت واشنطن إلى النهب والتخريب على كل المستويات، وخلفت دماراً لم يستطع حتى الآن العديد من الدول التي طالتها يد العبث الأمريكي الخروج منه، والأنموذج الأفغاني يتحدث عن ذاته بعد عامٍ من الانسحاب الأمريكي، وكذلك العراق نجده من فوضى إلى فوضى، ولا ننسى اليمن ولبنان وليبيا والقائمة تطول، فأمريكا تعبث، وعلى الدول أن تجد المخارج لإنعاش ذاتها.
يمكن لأوروبا أن تستدرك الوضع، إن أرادت ذلك، وتستقرئ الأحداث جيداً عبر رؤية شاملة وإستراتيجية بعيداً عن عقليّة التسلّط والهيمنة، فانتظار العودة إلى الوراء وتثبيت الهيمنة الأمريكية والغربية على مقدرات الدول وقراراتها وحتى قوتها، بات من الماضي البعيد، فعالم اليوم قائمٌ على التعاون والتبادل وشبكة واسعة من العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة، ولم يعد حكراً على طرف من الأطراف الدوليّة.