صدر عن «دار الرضا» للباحث السوري، عبد الله أحمد، كتاب بعنوان «الصراع على سورية والأبعاد الجيوسياسية».. وعرض الناشر الدكتور هاني الخوري في مقدمة الكتاب للأهمية التي تتمتع بها سورية عبر تاريخها وحتى اليوم، قائلاً: “إن تحولات العالم اليوم والواقع الجيو إستراتيجي الدولي لا يقوم به محلل أو مفكر إستراتيجي عادي، إن هذه المقاربات تتطلب سياسيين عميقين بتحديات المنطقة وثرواتها وتحدياتها وأطماع الآخرين فيها، حيث تشكل منطقة إستراتيجية مثل آسيا الصغرى وسورية، مجالاً حيوياً إستراتيجياً مختلف عليه بعد تصفية الرجل المريض «الدولة العثمانية» في القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى.
ويضيف: إن سورية تقع في قلب كل هذه التحديات، دولة صغيرة ولكنها محورية وفاعلة وإستراتيجية في تحديد هوية المستقبل.
وتابع: من هذه الزوايا قام الباحث بدراسة الواقع الجيو إستراتيجي في المنطقة ودرس وطرح استحقاقات مشروع الشرق الأوسط الجديد ورغبة أمريكا في إعادة تشكيل واقع دول المنطقة بانزياحات وتدمير وتبادلات سكانية واسعة، هذه الطروحات كانت غير مدركة في بداية الخريف العربي، وبدت الأمور في بدايتها عفوية شعبية، لكن سرعة التحولات وظهور القوى الدولية والممولة وإرادة الدول الإقليمية أوضحت كل هذه التحديات والطروحات الشعبية التي أصبحت مادة استقطاب من أجل تحويل الأمر إلى تحديات أهلية وطائفية وقبلية، تتجاوز الإرادات الدولية والإقليمية.
ولخص الباحث عبد الله أحمد كتابه بمقدمة ما جاء فيه ومن ضمنها المشروع الأمريكي تجاه الشرق الأوسط جاء فيها:
في ظل الأحداث العاصفة التي ضربت الاتحاد السوفييتي السابق على أثر مشروع الشفافية وإعادة البناء الذي قام به الرئيس ميخائيل غورباتشوف في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات في القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة تخطط لمشروع الشرق الأوسط الجديد مع بداية عام 1990 من أجل الهيمنة على المنطقة والعالم، حيث كان العراق الخطوة الأولى ضمن هذا المشروع ومن ثم استهداف سورية وإيران.. إلا أن المشروع كان يشمل العمل على عدة جبهات منها الشرق الأوسط وأفغانستان وآسيا الوسطى، وفي آسيا الوسطى (قلب أوراسيا) كانت الخطوة الأولى هي محاولات الهيمنة على العديد من الدول في محيط روسيا، ومن ثم التمدد في دول آسيا الوسطى وتقويض أي إمكانية للنفوذ الصيني والروسي في تلك المنطقة.
وأضاف الباحث: اعتمدت الولايات المتحدة مجموعة من الوسائل الناعمة (المنظمات غير الحكومية والتمويل والعمليات السرية) إضافة إلى «القوة الذكية» من أجل تنفيذ هذا المشروع.
كان الغزو العسكري للعراق ضمن سلسلة التجاوزات التي قامت بها واشنطن بعد قصف يوغسلافيا في ربيع 1999 وعلى الرغم من عدم مشاركة “ناتو” في الغزو إلا أن روحه الخفية كانت واضحة.
قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بعدوان مشترك على العراق وعلى أثر ذلك كان واضحاً أن الولايات المتحدة تريد تغيير الواقع الجيوسياسي العالمي والتأسيس لواقع جديد مع بداية الغزو في 20 آذار 2003.
وبيّن الباحث أن أحداث عام 2011 شكّلت بالنسبة لسورية نقطة تحول في المنطقة العربية من خلال الهجوم الجيوسياسي الذي قاده الغرب على المنطقة وكان هدفه الأساسي إسقاط سورية وإعادة إنتاج الأزمة في العراق وصولاً إلى إيران وآسيا الوسطى باستخدام القوة الناعمة والذكية وبدعم من دول الخليج العربي و”إسرائيل”، لافتاً إلى دور المنظمات الدولية غير الحكومية في تهيئة البيئة لهذا الهجوم الجيوسياسي المسمى “الربيع العربي”.
ولفت الباحث إلى حرب الأفكار التي استخدمت لتفجير حرب طائفية في المنطقة بالتوازي مع الحملات الإعلامية المضللة والحصار السياسي والاقتصادي على دمشق.
وأكد الباحث أن الصراع على سورية ومحاولات التدخل في سياستها ليس أمراً جديداً لأن موقع سورية وتموضعها الجيوسياسي جعلها في عين العاصفة منذ أحداث ما يسمى بـ “الربيع العربي”، فسورية جغرافياً تشكل ممراً حيوياً لأوروبا وإفريقيا وآسيا ومنطقة حيوية لروسيا والصين (طريق الحرير القديم) وهي الحاضنة للمد القومي العربي وهي بسياساتها وتموضعها تنحاز إلى القضايا العربية والوطنية وتناهض السياسات الغربية التي تستهدف المنطقة، لذلك كانت سورية دائماً مستهدفة.
ويؤكد الباحث: ما نشهده في سورية خطير وعنيف، فلهذه الحرب المركبة عليها أهداف أبعد منها، ولعل الحقبة الحالية تشير إلى أننا أمام تحولات مفصلية قد تؤدي إلى تغيير في شكل وموازين القوى العالمية، إلا أنه ليس من الواضح بعد الأبعاد الحقيقية لتلك التغيرات المتوقعة أو الاستنتاجات لأن ذلك يعتمد إلى حد بعيد على أداء القوى الفاعلة وعلى التموضعات الإقليمية والدولية لصالح هذه القوى أو تلك.
ويتابع: إن الأزمة في سورية فتحت الباب للمواجهة الإستراتيجية بين القوى العظمى والإقليمية، وما زال الصراع مستمراً، كما تعكس هذه الأزمة تعقيدات الوصول إلى تسوية سياسية، حيث فشل مسار جنيف وتعثر مسار أستانة رغم نجاح المرحلة الأولى من اتفاقيات خفض التصعيد وذلك بسبب عرقلة الولايات المتحدة للحل السياسي.
هناك تحديات حقيقية للخروج من الأزمة لكون الولايات المتحدة تسعى إلى التصعيد لعرقلة جهود الحكومة السورية وتقف حائلاً أمام تسوية سياسية فعلية.
ومن جهة أخرى فإن الضبابية تلف العلاقات الدولية ونشهد تردد بعض الدول العظمى في اتخاذ خطوات حاسمة في اتجاه تحديد هويتها ومكانتها الجيوسياسية بشكل نهائي لإمكانية تشكيل تحالف إقليمي ودولي قادر على تحجيم الهيمنة الأمريكية الأحادية في العالم، إلا أن انتصار سورية وحلفائها سوف يشكل بوابة لتغيرات جيوسياسية على مستوى المنطقة والعالم.
وأوضح الباحث أن الولايات المتحدة لم تستسلم أمام إرادة الشعوب والحكومات التي تناهضها مثل سورية واستخدمت كل وسائل القوة بما فيها القوة الناعمة، وعملت في كثير من الأحيان على المزج بينهما من خلال ما يسمى بـ “القوة الذكية”، كما حدث في أوروبا الشرقية “الثورات الملونة”، ولاحقاً في الهجوم الجيوسياسي على المنطقة العربية “الربيع العربي” وأحداث سورية وليبيا وأوكرانيا، حيث تم المزج ما بين القوة الناعمة والصلبة باستخدام مجموعات مسلحة إرهابية وتكفيرية.
وفي الإطار نفسه، استخدمت الولايات المتحدة حرب الأفكار في البعد الإسلامي لتكريس التفرقة الطائفية، حيث كانت وراء ظهور تنظيمات تكفيرية مثل تنظيم داعش في العراق والشام في إعادة لتجربة القاعدة في أفغانستان بحجة محاربة الشيوعية، ودعمت هذا التوجه من خلال الحملات الإعلامية والتضليل والترويج لما يسمى الصراع الطائفي ومواجهة إيران كذريعة ضمن منهج سياسي، ثم تبنيه من قبل حلفاء واشنطن في المنطقة العربية.
واستعرض الباحث في فصول كتابه، عدة مسائل منها، الفوضى الخلاقة وبناء شبكات معتدلة، مفهوم القوة الناعمة والذكية والإستراتيجية الأمريكية في تطبيقها، الدبلوماسية العامة وإدارة الفوضى، مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلافة، سورية في عين العاصفة، الإعلام ودوره، الأزمة السورية وعقيدة “مسؤولية الحماية”، الإستراتيجية الأمريكية في بعدها النظري.
وفي الفصل الثاني بيّن الباحث الأدوات المستخدمة في الحرب على سورية بدءاً بـ تحالفات التيارات الإسلامية الراديكالية واليمين المسيحي المتطرف، مروراً بالدور السعودي القطري والتركي في الحرب على سورية ودور المنظمات في تلك الحرب وانتهاء بالأطماع التركية في شرق الفرات وحروب الجيل الرابع.
وقدّم الباحث في الفصل الثالث لمحة عن الولايات المتحدة وإعادة التفكير الإستراتيجي من خلال عدة محاور هي: الطريق إلى عالم متعدد القطبية، الاتجاهات الجيوسياسية العالمية الرئيسية، ما وراء الحرب على سورية، مستقبل سورية في ظل الاتجاهات الجيوسياسية العالمية.
وختم الباحث كتابه بـ حرب الأفكار والدين السياسي والعلمانية.