الحروب المستمرة تقرب أميركا من «الموت الروحي»

شكل استمرار الحروب الأمريكية خطراً واضحاً على الاقتصاد العالمي، فمنذ قررت أمريكا شن حروب على بعض الدول التي لا تسير في فلك سياساتها، ارتفعت وتيرة المضاربات في أسواق السلع والخدمات على عقود النفط والطاقة، ما رفع أسعار البترول إلى مستويات قياسية وأثر بشكل أو بآخر في مستوى المعيشة في معظم دول العالم، هذا ما أشار إليه موقع «ميل ووك» الأمريكي في مقال جاء فيه:

في عام 2004 صرح كارل روف، مستشار البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج بوش قائلاً: نحن إمبراطورية، وعندما نتحرك، نخلق واقعنا الخاص، مؤكداً أن السياسة الأمريكية العامة يجب ألا تكون متجذرة في المجتمع القائم على الواقع.

بعد 16 عاماً، وجد محللون مختصون في السياسة الأمريكية أن الحروب التي شنتها الإدارات الأمريكية وما نتج عنها أدت إلى نشر الفوضى والعنف على نطاق واسع.

وأشار المقال إلى أن هذا الاقتران التاريخي بين الإجرام والفشل أدى إلى تقويض القوة والسلطة الدولية لأمريكا، لاسيما وأن صناعة التسويق السياسي التي كان روف وزملاؤه جزءاً منها، حققت على ما يبدو نجاحاً لا بأس به في التأثير على عقول الأمريكيين.

وتبدو المفارقة في ادعاءات الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخاصة إدارة بوش أن أمريكا «إمبراطورية» منذ تأسيسها، وأن الاستخدام السياسي لأحد موظفي البيت الأبيض لمصطلح إمبراطورية في عام 2004، لم يكن رمزاً لإمبراطورية جديدة وصاعدة كما ادعى، ولكن لـ«إمبراطورية» منحلة تسير نحو الموت.

وأوضح المقال أن توسع الولايات المتحدة في أراضي الأمريكيين الأصليين، وشراء لويزيانا وضم شمال المكسيك في الحرب المكسيكية الأمريكية، ساهم في بناء إمبراطورية وصفها محللون بأنها تفوقت على تلك التي بناها جورج واشنطن، لكن هذا التوسع الإمبراطوري كان أكثر إثارة للجدل مما يدركه معظم الأمريكيين، حيث صوّت 14 من أصل 52 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي ضد معاهدة 1848 لضم معظم المكسيك والتي من دونها ربما لا يزال الأمريكيون يزورون كاليفورنيا وأريزونا ونيو مكسيكو وتكساس ونيفادا ويوتا ومعظم كولورادو كمواقع سفر مكسيكية غريبة.

وأضاف المقال: في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، طور قادة أمريكا نظاماً من الاستعمار الجديد يمارسون من خلاله سيادة إمبريالية شاملة على جزء كبير من العالم، بينما يتجنبون بدقة مصطلحات مثل “إمبراطورية” أو “إمبريالية” من شأنها أن تقوض مؤهلاتهم وما يدعونه من سيادة في تلك الفترة.

لقد نشأ الأمريكيون في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في جهل مصاغ بعناية لحقيقة الإمبراطورية الأمريكية، والأساطير المنسوجة لإخفائها توفر تربة خصبة للانقسامات السياسية والتفكك اليوم. إن وعد ترامب «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» ووعد بايدن بـ «استعادة القيادة الأمريكية».. كلاهما ينشدان الحنين إلى ثمار الإمبراطورية الأمريكية.

ويرى محللون أنه بدلاً من فتح الأبواب أمام الشركات الأمريكية الكبرى أو دعم الموقف الدبلوماسي لأمريكا في العالم، أصبحت آلة الحرب الأمريكية ثوراً في متجر الصين العالمي على وجه التحديد، حيث تمارس الإدارات الأمريكية السابقة والحالية القوة التدميرية البحتة لزعزعة استقرار البلدان وتدمير اقتصاداتها، وإغلاق الأبواب أمام الفرص الاقتصادية بدلاً من فتحها، وتحويل الموارد عن الاحتياجات الحقيقية في الداخل، والإضرار بمكانة أمريكا الدولية بدلاً من تعزيزها.

وحسب المقال، عندما حذر أيزنهاور من «التأثير غير المبرر» للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، كان يتوقع على وجه التحديد هذا النوع من الانقسام الخطير بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية للشعب الأمريكي وآلة الحرب التي تكلف الكثير مادياً ومعنوياً.

ويقول محللون أمريكيون: أصبحت الصين والاتحاد الأوروبي شريكين تجاريين رئيسيين لمعظم دول العالم. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال قوة اقتصادية إقليمية، إلا أن معظم الدول في أمريكا الجنوبية تتعامل تجاريا أكثر مع الصين.

وبيّن المقال أن النزعة العسكرية الأمريكية سرعت من إهدار الموارد الأميركية على الأسلحة والحروب، بينما استثمرت الصين والاتحاد الأوروبي في التنمية الاقتصادية السلمية والبنية التحتية للقرن الحادي والعشرين.

فعلى سبيل المثال، أنشأت الصين أكبر شبكة سكك حديدية عالية السرعة في العالم خلال 10 سنوات (2008-2018) وتقوم أوروبا ببناء وتوسيع شبكتها عالية السرعة منذ التسعينيات، بينما لا تزال أمريكا ترسم مخططاتها لبناء سكك حديدية عالية السرعة.

لقد انتشلت الصين 800 مليون شخص من براثن الفقر، في حين أن معدل الفقر في أمريكا لم يتزحزح بالكاد خلال 50 عاماً وازداد فقر الأطفال، ولا تزال لدى أمريكا أضعف شبكة أمان اجتماعي في أي دولة متقدمة ولا يوجد نظام رعاية صحية شامل، كما أن عدم المساواة في الثروة والقوة الناجم عن الليبرالية الجديدة المتطرفة ترك نصف الأمريكيين مع القليل من المدخرات أو عدم وجود مدخرات على الإطلاق للعيش في التقاعد أو لمواجهة أي اضطراب في حياتهم.

وأكد المقال أن إصرار قادة الولايات المتحدة على الاستغناء عن 66% من الإنفاق التقديري الفيدرالي للولايات المتحدة للحفاظ على آلة الحرب وتوسيعها، هو إهدار منهك للموارد في الولايات المتحدة ويعرض مستقبل البلاد للخطر، لافتاً أنه منذ عقود، حذرنا مارتن لوثر كينغ من أن «الأمة التي تستمر عاماً بعد عام في إنفاق أموال على الدفاع العسكري أكثر مما تنفقه على برامج الارتقاء الاجتماعي تقترب من الموت الروحي».

يبدو من الحكمة كما أورد المقال، تحويل أولويات الإدارات الأمريكية الحالية من النزعة العسكرية المدمرة إلى برامج النهوض الاجتماعي التي دعا إليها لوثر كينغ إذا كانت تلك الإدارات تريد السلام وتحقيق الديمقراطية للعالم كما تدعي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار