بعد 20 عاماً من غزوها لأفغانستان، لم تستطع الولايات المتحدة تحقيق أهدافها في هذا البلد، بل تكبدت خسائر جسيمة، حيث أشار بعض المحللين السياسيين إلى أكاذيب وغرور الجنرالات الأمريكيين، والإستراتيجيات قصيرة المدى والأهداف غير الواقعية لقادة واشنطن، هذا ما جاء في مقال نشرته صحيفة «الفاينانشال تايمز» البريطانية، حيث اعتبرت الصحيفة أن الولايات المتحدة الأمريكية أصيبت بالغرور لاعتقادها بأنها تستطيع أن تأخذ أفغانستان من حالة الخراب، وتستشهد بما صرّح به جون سوبكو، المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان والمكلف منذ 2012 من الكونغرس بمراقبة استخدام الأموال الأمريكية في هذه الحرب بقوله: “وصلنا إلى أفغانستان بفكرة تشكيل حكومة مركزية قوية، وكان ذلك خطأ، خاصة وأن هذا البلد ليس مناسباً لبنية حكومية من هذا النوع”.
وأضاف سوبكو: “الجنرالات الأمريكيون المتعاقبون على أفغانستان، وضعوا أهدافاً قصيرة المدى حتى يتمكنوا من إعلان نجاحهم عند مغادرتهم بعد عامين أو ثلاثة أعوام، بينما كان يجب وضع أهداف بعيدة المدى وتخصيص وقت لجهود إعادة الإعمار، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات اللوجستية، متهماً الجنرالات بإخفاء حجم الخسائر في أفغانستان”.
وتابع سوبكو: في كل مرة كنا نذهب إلى أفغانستان، كان العسكريون يغيرون أهدافهم لتسهيل إعلان نجاح عملياتهم، لكنهم عندما لم يعودوا قادرين على فعل ذلك يفرضون السرية الدفاعية على الأهداف.
وأكد سوبكو “أنهم لا يعرفون إلى أي حد كان الجيش الأفغاني سيئاً» موضحاً «أن الذين يستطيعون الإطلاع على الوثائق الخاصة للسرية الدفاعية يعرفون ذلك أيضاً لكن المواطن الأمريكي العادي ودافع الضرائب والمسؤول المنتخب والدبلوماسي العادي لا يستطيعون معرفة ذلك».
وفي هذا السياق، قال كارتر مالكاسيان، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، والذي نشر مؤخراً كتاباً عن تاريخ الحرب في أفغانستان: لا شك أننا خسرنا الحرب في أفغانستان، معتبراً أن طالبان برهنت على إرادتها في محاربة الأميركيين، بينما بدا الجيش الأفغاني مباعاً للأجانب، وهو ما سبق وقاله لرئيس الأركان السابق جوزيف دانفورد.
وأضاف: كنا نعتقد أن بعض الأمور كانت ممكنة في أفغانستان مثل هزيمة طالبان، أو السماح للحكومة الأفغانية بأن تستقيل، لكن الأمر لم يكن كذلك وتابع: إن عناصر الشرطة والجنود لم يرغبوا في المجازفة بحياتهم من أجل حكومة فاسدة تميل إلى إهمالهم.
ويشير تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن عدم الاهتمام بالضحايا الأفغان من جراء الغارات الأمريكية عليهم أو الانتهاكات التي يرتكبها أمراء الحرب المتحالفون مع الغرب أثار غضب الشعب الأفغاني.
وأكد التقرير أن ميل الولايات المتحدة إلى إعطاء الأولوية للمكاسب العسكرية في أمد قصير بدلاً من بناء مؤسسات حقيقية أو حماية حقوق الإنسان وجه ضربة قاضية للمهمة الأمريكية وكل جهود إعادة الإعمار بعد عام 2001، لافتاً إلى أن استياء الأفغان وانعدام ثقتهم بالولايات المتحدة والحكومة الأفغانية سمحا لطالبان بتحقيق مكاسب.
لكن سوبكو رأى أيضاً أن الولايات المتحدة تصرفت في أفغانستان كما فعلت في العراق وفي فيتنام وقال: لا تصدقوا الجنرالات أو السفراء أو مسؤولي الإدارة الذين يقولون لن نفعل ذلك بعد الآن، مشيراً إلى أن هذا بالضبط ما قلناه بعد فيتنام، لن نفعل ذلك مرة أخرى، والمفاجأة أننا فعلنا ذلك في العراق وفي أفغانستان، وسنفعل ذلك مرة أخرى في بلد آخر.
وبين المقال أن هجمات الـ 11 من أيلول أعادت دورة التاريخ على نحو أقسى واستهدفت بشكل مباشر رموز الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والعسكرية.
وأكد المقال أن واشنطن صنعت من أحداث الحادي عشر من أيلول شبحاً سمته “الإرهاب” وقررت مطاردته عبر البحار والمحيطات والحدود الدولية، وانتهى الأمر بغزو رجال المارينز الأمريكيين لأفغانستان وإسقاط حكم طالبان فيها، ثم جاء الغزو الثاني للعراق ليفتح الفصل الثاني من المطاردات العبثية الدامية ويفتت العراق، وكان لصعود تنظيم “الدولة الإسلامية” ذروة غير منتظرة للحرب الأمريكية على الإرهاب ومن ثم جاء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بمثابة نهاية غير سعيدة للحرب على الإرهاب التي شغلت العالم وأرهبته -وذلك وفق ما قال المقال الذي أضاف- “هكذا بدأت وانتهت الحرب على ما يسمى الإرهاب، وحان الوقت بعد 20 عاماً من انطلاق لهيبها الوحشي أن نحصي ما جرى بين أمريكا وخصومها.
وخلص المقال إلى نتيجة وهي “الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لم يكن صدفة، بل جاء بعد أن تكبدت الولايات المتحدة خسائر فادحة مادية وعسكرية في هذا البلد، لذا قررت الانسحاب منه خوفاً من تكبد المزيد، ما يدل على فشلها في تحقيق أهدافها في أفغانستان”.