(سقوط “أسطورة الربيع العربي”، من الثورة إلى الدمار) كتاب جديد ترجم إلى العربية للمؤلف الأمريكي، كريستوفر برينان، المحلل السياسي والناشر للعديد من المقالات حول العولمة والإرهاب في مركز الأبحاث الدولي.
يقول ناشر الكتاب الدكتور هاني الخوري:
“هناك من ظن بالبداية أن الحركات الشعوبية الموجهة بتقنيات التواصل والمركزة على الشحن العاطفي، والهادفة إلى إحداث حالة انقسام داخلي وانهيار بمؤسسات الدولة من أجل إضعافها وإرضاخها للمتغيرات، تعبر عن حالة صراع وتخبط بالنظام العالمي ومراكز القوة بناء على الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 ومحاولة القوى الصاعدة التخلص من هيمنة الدولار والمؤسسات الداعمة للقوة المهيمنة العالمية ما يهيئ العالم لعالم متعدد الأقطاب”.
وأضاف الخوري: لا شك أن أحداث “الربيع العربي” المزعوم قادت إلى تحولات اقتصادية وحالة تدمير لرساميل وبنى ومدن ومجتمعات وإهلاكها بتكلفة الحروب والتسليح واستهلاك ثرواتها وإحداث حركة انكماش اقتصادي تصب في مصلحة بائعي الأسلحة والبنوك العالمية والمافيات ومصلحة المؤسسات الدولية والقوة الأمريكية لتدفع دول العالم الثالث حصتها بالمتغيرات العالمية، لكن هل تعي الشعوب العربية المآزق التي تمر بها وغوغائية التحولات باسم شعارات الحرية والكرامة وإصلاح الدولة؟
يجيب الناشر: لقد انطلقت قوى الإسلام السياسي من عقالها وسادت قوى التطرف ودمرت حصيلة التنمية في العديد من البلدان العربية التي تنوء تحت ضغوط الزيادات السكانية وارتفاع نسب البطالة والفساد المستشري بشكل واسع.
ويضيف الناشر: ما نراه في هذا الكتاب هو إظهار الحقائق والمتحولات وفضح المصالح العالمية في تدمير مقدرات الشعوب.
وحسب الكتاب فإن أعباء الفساد والتضخم الاقتصادي، كبيرة ومعظم الدول العربية بحاجة للمشاركة الشعبية ولإعلام فعّال ولفصل السلطات وبحاجة أكثر للتركيز على الحكم الرشيد.
يتساءل مؤلف الكتاب كريستوفر برينان: هل كان “الربيع العربي” الذي اجتاح الشرق الأوسط مؤخراً حركة أصولية من أجل الديمقراطية أو مجرد مجموعة من “ثورات الألوان” التي ترعاها الولايات المتحدة والتي تهدف في الأساس إلى إسقاط حكام دول الشرق الأوسط غير الملتزمين بسياساتها وأهدافها؟
يشير الكاتب إلى أن معظم وكالات ومحطات وشبكات وسائل الإعلام العالمية الرئيسية وبعض المحطات الإعلامية والقنوات العربية عملت على تصوير ما يسمى بـ «ثورات الربيع» كموجة من الانتفاضات العفوية في سبيل الحرية والكرامة، وذلك من الشباب المتحمس وغير الصبور ضد من اعتبرهم الكاتب “الديكتاتوريين القدامى”، بيد أن سقوط الخديعة الكبرى والتي تدعى بـ “الربيع العربي” يحطم هذه الأسطورة وتلك الأكاذيب الملفقة التي نسجتها الدوائر الأمريكية لإخضاع من لا يقدم فروض الولاء والتبعية لواشنطن.
وأوضح المؤلف أن الاضطرابات التي حدثت في بعض بلدان الشرق الأوسط لم تكن سوى سياسة أمريكية– إسرائيلية لزعزعة استقرار تلك البلدان من أجل استهداف المقاومة العربية القومية والتي تهدد الهيمنة الغربية والإسرائيلية على حد سواء، لافتاً إلى أن هناك ميلاً عالمياً للتحول بعيداً عن الهيمنة الأمريكية باتجاه نظام متعدد الأقطاب، ومن أجل أن تتلافى واشنطن وقوع هذا الأمر فقد اتجهت الولايات المتحدة وحلفائها إلى اختلاق ما يسمى بـ”الربيع العربي”.
وقد قسّم المؤلف كتابه إلى خمسة أجزاء هي: أساليب الإمبريالية والإمبراطورية متعددة الأبعاد والأزمات، والثورات الملونة الجديدة وخرافة “الربيع العربي”، والإمبريالية والإنسانية الجديدة والهجوم ضد ليبيا إلى جانب الاستنتاجات والوقائع في الجزء الخامس.
استعرض المؤلف ما يجري في بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لافتاً إلى أن ضعف القوة المركزية يلغي وجود المجتمع المدني الحقيقي الذي يمكنه أن يمسك بالنظام السياسي معاً، وبالتالي لن يكون هناك شعور حقيقي بالهوية الوطنية المشتركة أو لأن يغلب الولاء نحو الدولة القومية، ومن ثم تتفكك الدولة لتغوص في بحر من فوضى الخلافات والشجار والتناحر وقتال الطوائف والمذاهب والأحزاب.
وأكد المؤلف في كتابه أن ما أطلق عليه “الربيع العربي” الذي اجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كان موجة من زعزعة الاستقرار وبرعاية مباشرة من واشنطن، مشيراً إلى أنه مع بداية التعددية القطبية تحركت واشنطن بشكل استباقي من أجل العمل بورشة عمل تدّعي تغيير النظام واعتماد الدولة المعادية والعملاء السابقين، ومن أجل تحقيق أهداف واشنطن تم إعطاء “الربيع العربي” دفعة زخم لتسريع العملية الإقليمية.
وبيّن المؤلف أنه ينظر إلى “الربيع العربي” على أنه جزء من هجوم أكبر من أجل الحفاظ على الوضع الراهن للهيمنة الغربية و”الإسرائيلية”، لافتاً إلى أن حركات الشباب في بعض الشوارع العربية لم تكن محلية وكذا فإن الاحتجاجات والتظاهرات الضخمة لم تكن نتيجة لمجرد الخلاف السياسي الداخلي بين “النظام” والشعب، بل كان هناك عنصر حاسم آخر غير معلوم.
وأفاد المؤلف: الولايات المتحدة سهّلت هذه الحركات التي يقودها الشباب والتي اجتاحت العالم العربي من مجموعة من المنظمات غير الحكومية التي تمولها الولايات المتحدة وترتبط بالاستخبارات المركزية الأمريكية، وفيما بعد “الإسرائيلية”، حيث لعبت هذه المنظمات غير الحكومية دوراً في الإطاحة ببعض الحكومات العربية سراً.
وأضاف المؤلف: تفاوتت النتائج المرجوة لموجة «الانتفاضات» التي قادتها الولايات المتحدة بين تغيير “النظام” وزعزعة الاستقرار وتحطيم هياكل الدولة القائمة، فبدلاً من المواجهة المباشرة والحربية للإطاحة ببعض الحكومات العربية غير المرغوب ببقائها، استخدمت واشنطن كرة ما يسمى بـ “القوة الناعمة” أو “الانقلاب على السلطة”، وحيث أن ذلك لم يكن كافياً فقد تم التحريض على الحرب غير النظامية.
وختم المؤلف أن كل ما يمكن أن يطلق عليه اسم “الربيع العربي” في الحقيقة ليس سوى موجة من إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار التي ترعاها واشنطن منذ البداية.