مجلة الإيكونومست البريطانية
ما تزال الخطوة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعادة تمويل “الأونروا” على الرغم من أهميتها يشوبها الكثير من الحذر في ظل ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من تحولات، خاصة أن بايدن معروف بتحيزه الشديد لـ”إسرائيل”، حيث تخطط الإدارة الأمريكية الحالية لمنح 235 مليون دولار كجزء من المساعدات للفلسطينيين والتي سبق وأن أمر ترامب بإيقافها عام 2018، ما أدى إلى خسارة أكثر من 360 مليون دولار من التمويل الأمريكي، هذا ما أوضحته مجلة الإيكونومست في مقال جاء فيه: “إن الخطوة التي قام بها بايدن بإعادة التمويل لـ”الأونروا” تعتبر الأهم منذ توليه منصبه في 20 كانون الثاني عام 2020 لاسيما أنه سبق أن تعهد أثناء حملته الانتخابية بالتراجع عن بعض القرارات التي أصدرها سلفه ترامب، واستئناف تقديم المساعدات التي تقدر بملايين الدولارات، إضافة إلى العمل على إعادة فتح البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في واشنطن، إلى جانب حل الدولتين من خلال التفاوض كأولوية في سياسة الولايات المتحدة بخصوص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.”
والسؤال، ما الذي أراده بايدن من هذه الخطوة، هل هي رسالة يرمي من خلالها إلى ترميم العلاقات مع الفلسطينيين بهدف إعادة انخراطهم في محادثات السلام مع الإسرائيليين المتوقفة منذ فترة طويلة؟
في الإجابة على ذلك لا بد من القول إن بدء الإدارة الأمريكية من “الأونروا” كخطوة أولى في عمليتها السياسية لم يكن عبثاً ولمعرفة ما تعنيه خطوة واشنطن، لا بد من الإحاطة بـ”الأونروا” وأهمية دورها في تعزيز القرارات السياسة.
فقد أنشأت الوكالة الدولية لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في الثامن من كانون الأول عام 1949 للاهتمام بآلاف اللاجئين الفلسطينيين بعد نزوحهم خلال حرب 1948 وظلت هذه الوكالة تمول بالكامل تقريباً من خلال المساهمات الطوعية التي تقدمها البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تعد الممول الأكبر للوكالة، إذ تقدم كل عام مئات الملايين من الدولارات وتمول 30% من مشاريعها، وقد بلغ الدعم المالي لـ”الأونروا” 346 مليون دولار في عام 2017 وحده .
وبناء على تقارير موثقة، تقدم “الأونروا” الدعم لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية والأردن وسورية ولبنان وتقدم لهم أيضاً الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية، إلاّ أنها واجهت أكبر أزمة مالية في تاريخها بعد أن قرر ترامب إنهاء الدعم المالي لها متهماً إياها بالتقاعس وعدم تحقيق أهدافها خاصة خلال أزمة كورونا، لكن الواقع أن ما يرمي إليه ترامب خلاف ذلك، وهو الضغط على الفلسطينيين للتفاوض مع “إسرائيل” بشروط الولايات المتحدة، حيث اشترطت الأخيرة وبضغط من “اللوبي اليهودي” إعادة الدعم لـ”الأونروا” مقابل تعهد الأخيرة بتغيير المناهج التي تدرس في مدارسها عبر شطب كل ما له علاقة بحق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيين وإسقاط هوية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، إلى جانب إلغاء كل ما يخص المقاومة والنضال ضد الاحتلال وكل ذلك مقابل استمرار الدعم الأمريكي لـ”الأونروا” والذي تم حصره حالياً بالأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة من دون سورية ولبنان، وأشارت الإدارة الأمريكية إلى شرط آخر هو التزام “الأونروا” بالحيادية وعدم التعاطي مع أي نشاط سياسي أو القيام بأنشطة وفعاليات تتعلق بإحياء ذكرى مناسبات خاصة تتعلق بالقضية الفلسطينية مثل وعد بلفور والعدوان الإسرائيلي عام 1967 وغيرها.
يبدو أن الخطوة التي قام بها بايدن ليست أكثر من قرار سياسي يخدم “إسرائيل” وذلك من خلال محاولة إنهاء الشاهد الوحيد على نكبة الفلسطينيين وضرب حق العودة الذي كفلته الشرعية الدولية، إذ يؤكد الفلسطينيون مراراً على حق العودة مستندين في ذلك إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في عام 1948 والذي ينص على ضرورة السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام بالعودة في أقرب وقت ممكن، لكن حق العودة على ما يبدو وبسبب السياسات الأمريكية والانحياز الكامل لـ”إسرائيل” لا يزال أحد أهم وأعقد النقاط الشائكة في الجهود المبذولة لحل الصراع، لأن “إسرائيل” لا تزال تعتبر أن منح حق العودة يهدد “وجودها ” ويعني نهاية الطابع اليهودي للدولة.