شهدت الولايات المتحدة أكبر اضطراب سياسي في تاريخها الحديث، يتمثل في تحولها إلى دولة بوليسية سريعة التوسع ومتطرفة للغاية، على الرغم من تحصنها بالتكنولوجيا وارتباطها بأكثرها تطوراً.
حدث “التحول الكبير” من رأس الهرم، ونظمته المستويات العليا من البيروقراطية المدنية والعسكرية تحت إشراف السلطة التنفيذية ومجلس الأمن القومي، ولم يكن ظهور الولايات المتحدة كـ “دولة بوليسية” حدثاً منفرداً، بل كان عبارة عن عملية تراكمية عبر أوامر تنفيذية، بدعم وموافقة قادة الكونغرس.
بكل الأحوال الولايات المتحدة دولة بوليسية قمعية لا تعترف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا مادته الثانية عشرة التي تنص على أنه «لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولكل شخص الحق في حماية القانون له من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات”.
وتعد العنصرية جزءاً من القانون في الولايات المتحدة، فهذا القانون، الذي كثر الجدل حوله، يفرض على جميع الأجانب الذين يدخلون الأراضي الأمريكية، أن يسلموا كل بياناتهم وأرقام بريدهم وهواتفهم للسلطات، ما يعنى إمكانية استخدام السلطات هذه البيانات حسبما تشاء، وأن تلفق الاتهامات كيفما تريد، وتخلق الإرهابيين من الجنسيات التي تسعى إلى وصمها أو احتواء الدول التي ينتمون إليها أو حتى احتلالها وابتزازها.
لم تشهد الولايات الأمريكية في أي وقت من الأوقات في الماضي القريب والبعيد نمواً لمثل هذه السلطات القمعية وانتشار العديد من وكالات الشرطة المنخرطة في العديد من مجالات الحياة على مدار هذه الفترة الطويلة من الزمن (وقت لم يكن فيه أي معارضة جماعية داخلية تقريبًا)، كما هي اليوم، ولم يسبق للسلطة التنفيذية أن حصلت على الكثير من الصلاحيات لاعتقال واستجواب وخطف واغتيال مواطنيها من دون قيود قضائية.
تتجلى هيمنة الدولة البوليسية في النمو الهائل الميزانية العسكرية، وتدخل قوى الأمن، إلى جانب بروز السلطات الاستبدادية التي تحد من الحريات الفردية والجماعية، وتتغلغل في الحياة الثقافية والمدنية.
لقد ساهمت حروب الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة التي شنها كل من الرئيس بوش (الأب) وكلينتون وبوش (الابن) وأوباما في بعض دول الشرق الأوسط في تنامي صعود الدولة البوليسية وقد ترافقت هذه الحروب، مع موجة من القوانين القمعية بحجة “مكافحة الإرهاب” ونُفِّذت من خلال التعزيز السريع لجهاز الدولة البوليسي الضخم، المعروف باسم “الأمن الداخلي”.
كما حصل المدافعون عن الدولة البوليسية على مواقع إستراتيجية داخل جهاز الدولة البوليسي الأمريكي من أجل ترويع وقمع النشطاء، وخاصة المسلمين الأمريكيين والمهاجرين المنتقدين لـ”إسرائيل”، ولعل أحداث الحادي عشر من أيلول كانت بمثابة المفجر لأكبر وجود عسكري أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى أكبر انتشار لسلطات الدولة البوليسية في تاريخ الولايات المتحدة.
تتمثل أجندة الولايات المتحدة، المخطط لها مسبقًا، في تعزيز دور أمريكا كدولة بوليسية وقد بدا ذلك واضحاً أثناء شن سلسلة من الحروب استمرت عقدًا من الزمن في العراق وأفغانستان وباكستان وليبيا والصومال واليمن، ومؤخراً في سورية وكذلك حروب سرية بالوكالة ضد إيران ولبنان .
ومع تنامي التدخل والانتشار الأمريكي في بعض دول العالم بذريعة “محاربة الإرهاب” ازداد العجز الحكومي الأمريكي، بينما تم تشويه سمعة البرامج الاجتماعية والرعاية الاجتماعية وتفكيكها مع تحول “الحرب العالمية على الإرهاب” إلى ذروتها، وأصبحت البرامج، المصممة للحفاظ على مستويات المعيشة أو رفعها للملايين من الأمريكيين وزيادة الوصول إلى الخدمات للفقراء والطبقة العاملة، ضحية أحداث الحادي عشر من أيلول”.
وبمرور الوقت انهار الاقتصاد الأمريكي بفعل السياسات الأمريكية الخارجية الفاشلة والتي انعكست على السياسة الداخلية بشكل سلبي.
وفي الواقع، أصبح تكوين القوة الصهيونية الإسرائيلية في الولايات المتحدة أكثر تأثيرًا في توجيه السياسة العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من أي مزيج من شركات النفط الكبرى – وكل ذلك لصالح القوة الإقليمية الإسرائيلية.
إن الولايات المتحدة هي الدولة الأسوأ في سجل حقوق الإنسان والأخطر في التجسس على المواطنين والاعتداء على الحريات، حيث كشف تقرير صدر مؤخراً أن الولايات المتحدة تتجسس على بيانات أكثر من 80% من مستخدميها، و قد أمدت وكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي بتلك البيانات والحسابات التي يطلبونها بحجة الأمن العام.
فهل تجرؤ دولة على معارضة واشنطن وسياساته البوليسية من دون أن تتعرض مصالحها للخطر من جراء تلك المواجهة، والأهم لماذا تطبق الإدارات الأمريكية سياسة “المعايير المزدوجة” خاصة تجاه الدول التي تسعى لحماية أمنها وإن اختلف بسياساتها مع واشنطن؟
عن: موقع غلوبال ريسيرش