مركز الدراسات الإستراتيجية العالمي
بعد سبعة عقود من تأسيس حلف الناتو، لا يزال الجدل قائماً حول الحلف الذي يرى فيه البعض تحالفاً ناجحاً في التاريخ الحديث، فهو، حسب اعتقاد هؤلاء، نجا دائماً قي مواجهة العواصف السياسية والتغيرات القيادية، على أساس الزعم المشترك بين أعضائه بأن العالم مع “ناتو” أكثر أماناً من العالم من دونه، لكن الأحداث أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك خطأ ذلك الاعتقاد وأن التوقيت الذي تشكل فيه الحلف لعب دوراً مهماً في لفت الأنظار إليه، فالعالم آنذاك كان ينفض عن كاهله رماد الحرب العالمية الثانية.
بالنسبة لأولئك الذين يرون في التاريخ درساً مهماً لقراءة المستقبل تبدو العودة إلى عبارة اللورد هاستينغز ليونيل إسماي، الأمين العام الأول لحلف “ناتو”، مهمة، حيث تعد تلخيصاً لأهداف “ناتو” منذ تأسيسه بمايلي: “إبقاء الاتحاد السوفييتي خارجاً، والأمريكيين في الداخل، والألمان في الأسفل”.
في عشرينيات القرن العشرين ركز الحلف على إبقاء الأمريكيين في الاتحاد الأوروبي، واحتواء الاتحاد الأوروبي والصين، وانتقلت منظمة شمال الأطلسي، إلى جميع أنحاء أوراسيا، محاربة ما تصفه بأنه “تهديدات من الشرق”.
أما لأولئك الذين نجوا من محنة غربلة بيان قمة الناتو الذي صدر مؤخراً خلال قمة قادة الحلف السنوية في بروكسل، والعودة إلى التاريخ نذكر بخلاصة ما جاء فيه: “تمثل روسيا تهديداً واضحاً لأمن الحلف إلى جانب الصين التي تعد هي الأخرى تحدياً منهجياً”.
لا تزال روسيا تشكل التهديد الأول – ورد ذكره أكثر من 63 مرة في البيان، الذي أكد أن السبيل الوحيد للإنفاق العسكري هو رفع الإنفاق، وعليه ستنمو ميزانية “الدفاع” الإجمالية لأعضاء “ناتو” الثلاثين بنسبة 4.1٪ في عام 2021، لتصل إلى 1.049 تريليون دولار (726 مليار دولار في الولايات المتحدة، و 323 مليار دولار لباقي الحلفاء).
لأول مرة في تاريخ الناتو، اتفق قادة الدول الأعضاء في الحلف على ضرورة التطرق للتأثير الأمني للتغير المناخي، إذ سيقوم الحلف بإجراء تقييمات دورية لواقع هذا التغير على مختلف أنشطة الناتو، وعلى مشروع دفاعي جديد، وأجندة للحلف بحلول 2030، واتفق قادة الحلف على أن يتحقق في العام 2050 الهدف المرسوم بشأن مواجهة التغير المناخي، وهو تصفير نسبة الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري، والتي ترتبط بأنشطة الحلف، لكن خطاب الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ ركز بشدة على ضرورة مواجهة التحديات التي تفرضها الصين وروسيا، وشدد على أنّ القادة المشاركين اتفقوا على أهمية تكاتف أوروبا وأميركا الشمالية لمواجهة ما سماه النظم الشمولية، داعياً الدول الـ30 الأعضاء في الحلف إلى تنحية الخلافات والانقسامات، والتركيز على التحديات الأمنية التي تفرضها روسيا والصين.
وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن على أن “ناتو” “مهم جدا للمصالح الأميركية، ولو لم يكن موجوداً لكان علينا إيجاده”، مشيراً إلى الحاجة إلى تنسيق أكبر بين الدول الأعضاء في الحلف. ووصف بايدن الناتو بالسد المنيع.
إن من أبرز مخرجات قمة الحلف التي عقدت مؤخراً إقرار أجندة الحلف للعام 2030، كما سيعقد وزراء دفاع الدول الأعضاء في الحلف في الأيام المقبلة اجتماعات للاتفاق على كيفية تنفيذ الخطة الجديدة، سواء من ناحية ميزانية الإنفاق الدفاعي، أو الاستعداد للمخاطر المزعومة المرتبطة بروسيا.