إقليم «كردائيل»
انتهت المسرحية «الصهيوأمريكية ـ الكردية»، والبرزاني يسدل الستار بجملة إنشائية تنهي دوره المكلّف به، ويعلن فيها تخليه عن رئاسة إقليم كردستان العراق وهو يذرف الدموع…
مشاعر طبيعية تلك التي طغت على البرزاني، فكل ممثل مبتدئ «كومبارس» يحلم بلعب دور البطولة، ولاسيما إذا ما تم تفصيل «النص المسرحي» على مقاس إقليم أحلامه بمشاهد ظنّ المراهق سياسياً، أنها ستكون، وبفضل الرعاية الصهيوأمريكية «حية»، لكنه، ولشدة غبائه السياسي في قراءة تاريخ أمريكا، التي لن تكون يوماً «جمعية خيرية»، سيجد نفسه على خشبة مسرحه وحيداً إلا من بقايا أصوات نيران ودخان الجيش العراقي التي كانت أبلغ موسيقا تصويرية.
الضربة التي قصمت ظهر البرزاني لم تأتِ مدعومة من أحد، بل جاءت خالصة من الحكومة العراقية بجيشها الذي تحرّك لاستعادة كركوك وحقولها النفطية ليصير ضلعاً استنادياً إضافياً لمحور المقاومة الذي بات مجسماً أصيلاً يحاكي حضارتي بلاد الرافدين والشام وتاريخهما، ويجتثّ كل الأدوات التي تحارب نيابة عن «الصهيوأمريكية» بأشكالها التي بدأت تتحوّر من خطر إرهابي ديني إلى خطر آخر عرقي انفصالي.
تنظيم «داعش» المخابراتي بهيكليته المنظمة عسكرياً، وحلم تمدّده في العراق والشام تبدّد وانهزم، وصار لابد من (خطة ب) بديلة تسند الحلم الاستعماري، ولأن الكيان الصهيوني وأمريكا قد رضعا من الثدي نفسه؛ كانت المحاكاة بتحقيق الحلم الأمريكي الذي نشأ على أنقاض حضارات إنسانية ليكون إقليم كردستان الحركة الأخيرة المأمولة «بتقسيم» العراق والشام، وخلق كيان جديد إثني معادٍ للعرب، لكنّ رهاناتهم كانت خاسرة، فالعراق لم يعد البلد الساكن لكل التجاوزات الدستورية، بل بات اليوم أكثر قوة، وانتماؤه صار لمحور المقاومة، المحور الذي فرض نفسه وبقوة على المنطقة بأسرها.
وسورية الدولة المنتصرة بحربها واستثنائية صمودها وتصدّيها لعدوٍّ يقف خلفه الكيان الصهيوني وأمريكا وحلفاؤهم الأوروبيون وأتباعهم الخليجيون الذين مدّوا أدواتهم بكل أنواع الأسلحة والأموال بهدف «تقسيم» العراق والشام، جعلت هؤلاء يعلنون إخفاقهم أمام أسوار حضارتها، لتقوم ضدّهم قيامة مدن نمرود وسنجار والموصل والرصافة وحلب التي حاولوا تدميرها.
لذلك، لا مشروع انفصالياً يمكن أن يحدث -وتحت أي غطاء- لأن النية باتت واضحة، فمهما جنّدوا من مرتزقة وانفصاليين ليظهروا كأنهم «أصحاب قضية» يبقوا أدوات مؤجلة يعمل على تنشئتها عدوٌّ مهزوم، وهزيمته باتت تصيبه بنوبات جنون يحاول من خلالها سدّ الذرائع ومحاولة الوقوف، حتى ولو بنصف قامة، فتراه يثير ملفّات منقوصة، ويحارب بـ«طواحين الكيماوي» في سورية من خلال تقارير مسيّسة لا مهنية فيها ولا موضوعية، بل تغازل فقط نيّات النزعات الاستعمارية.
أما تحرش أمريكا الأخير بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وحديثها الأرعن عن نقض الاتفاق النووي الإيراني فليس إلا ورقة ضغط أخيرة في محاولة للإبقاء على «إسرائيل» منفردة بمعرفتها النووية، لتكون القوة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك الأسلحة النووية، لتأتيهم الصفعات الواحدة تلو الأخرى، التي لن يكون آخرها الفيتو الروسي الذي أسقط المشروع الأمريكي لتمديد ولاية آلية التحقيق الدولي في ملف «الكيماوي» السوري، كذلك لن تكون دير الزور ـ آخر جسر معلق يربط شمال سورية ببعضه بهمّة رجال الحق ـ آخر تلك الصفعات.
m.albairak@gmail.com