العامل النفسي عزّز الثقة ورفع سعر صرف الليرة بعد الانتصار.. خبير يدعو «المركزي» لإعلان واضح وشفاف لسياساته

الحرية- باسم المحمد:

يترقب الجميع التغييرات التي قد تحصل في إدارة السوق النقدية لتتماشى مع المتطلبات الجديدة القائمة على مباديء الاقتصاد الحر، وذلك بعد سنوات من التخبط والتجريب، أودت بمدخرات السوريين، وسحقت قيمة الليرة السورية، ما نتج عنه اقتصاد أقل ما يمكن وصفه بالمدمر والمنهوب على أيدي مجموعة فاسدة احتكرت كل شيء.

الوقت غير مناسب للتعلم بالتجريب أو استناداً لطريقة الصح والخطأ بل هو وقت استخدام الكفاءات وناقلي المعرفة

وللبحث عن واقع السياسة النقدية واستكشاف السبل التي قد تكون مفيدة مستقبلاً، التقت “الحرية” مع خبير إدارة المخاطر ماهر سنجر، الذي أوضح أنه في الوقت الحالي، لا يجب على أي مؤسسة حكومية أن “تتعلم من كيسها” كما يقال بلغتنا العامية، حيث إننا لسنا في وضع التعلم، بل في وضع إعادة ترتيب أحجار الأساس والبيادق معاً لمكانها الصحيح، بغاية الوصول إلى نظام مالي ونقدي متطور يتناسب مع سرعة التغيرات الحاصلة في العالم من سلاسل الكتل إلى العملات المشفرة إلى الذكاء الصنعي وتداخلاته مع الحياة اليومية، وبالتالي الوقت غير مناسب للتعلم بالتجريب أو استناداً لطريقة الصح والخطأ، بل على العكس تماماً فالوقت هو وقت استخدام الكفاءات وناقلي المعرفة (أي الأشخاص الخبراء الذين أمضوا أعواماً في سوريا في ظل نظام اقتصادي أقل ما يقال عنه  بأنه لا يمكن العمل به ومع ذلك استمروا في العطاء والنجاح).

مكاسب سريعة
بمقارنة سريعة حول واقع سعر الصرف لا يخفى للقاصي والداني بأن سعر الصرف اتخذ منحى إيجابياً، فقد حققت الليرة السورية مكاسب سريعة لم نشهدها منذ العام 2011، ويمكن لنا أن نعزو هذا الأمر إلى عدة أسباب أهمها العامل النفسي حيث إن أمل بناء اقتصادي حقيقي قد لاح بالأفق أخيراً للجميع أفراداً أو كيانات اعتبارية، توقف الاستيراد وترقب التجار والصناعيين للمؤشرات المرسلة من قبل المصرف المركزي وباقي الجهات الحكومية للعمل وفقا لها، التوجه إلى الرفع التدريجي للإجراءات الدولية على الاقتصاد السوري والأمل بعودة المعابر جميعها للعمل وآبار النفط والغاز لخزينة الدولة.

بانتظار سياسة واضحة
ويضيف الخبير سنجر كل ما سبق دفع سعر الصرف بهذا الاتجاه مع نقطة مقاومة لسعر الصرف على قيمة 10000 ليرة مقابل الدولار الأمريكي، لذلك فإن ما حدث لا يمكن نسبه إلى السياسة النقدية المتبعة من مصرف سوريا المركزي، وحتى اليوم لا سياسة نقدية واضحة للمركزي ولا شفافية كما يجب، فالجميع مازال ينتظر على الأقل خارطة طريق تنشر من قبل المركزي لبيان التوجه العام، وخطة واضحة لما يسمى إدارة التغير للانتقال إلى الاقتصاد المطلوب أو على الأقل أولويات إستراتيجية تنشر.. لا رسائل للسوق حتى عبر الحمام الزاجل.. أقلها ننتظر من المركزي التصريح عن التغيرات الواجب إدخالها على المراسيم 3 و 4 الصادرة عن النظام البائد لكونها مراسيم منعت التداول بغير الليرة السورية وشلت الحياة الاقتصادية وهجرت التجار والصناعين وفرضت الإتاوات وخاصة في ظل دورة إنتاج لا تتمتع بالاستقرار بل اكتفينا بقرار يبيح الضرورات بتسليم الحوالات إن كان لشركات الصرافة القدرة على تسليمها بالقطع الأجنبي.

بقاء اليد العليا في سوق الصرف لشركات الصرافة يخفي الكثير من المخاطر المنظورة وغير المنظورة

تجفيف السيولة
ووفقاً للخبير سنجر فإن حالة تجفيف السيولة هي أحد الأدوات المستثمرة حتى يومنا هذا واستمرارها قد ينتج ضعف ثقة بالنظام المصرفي ككل، وخاصة مع تداخل واضح بين مهام شركات الصرافة والحوالات والمصارف بما يخص تصريف العملات الأجنبية وتسليم الحوالات، وفي ظل عقوبات لتاريخه لم تنج منها المصارف السورية مما جعل اليد العليا في سوق الصرف لشركات الصرافة وهذا ما يخفي الكثير من المخاطر المنظورة وغير المنظورة.

ظهور الصرافين بشكل كبير مقابل صرافات متوقفة يوجد عاصفة من التساؤلات عن مدى قوة السوق السوداء

التنسيق المالي والنقدي
القرارات التي صدرت فعلياً لا تدل، من منظور الخبير سنجر، على حالة من التنسيق بين الجهات الحكومية المسؤولة عن السياسة المالية والنقدية والاقتصادية فالجميع يتسأل هل ما زال مشروع بدائل المستوردات قائماً؟ في ظل صدور تعرفة جمركية جديدة ونشرات صرف شبه ثابتة وسوق سوداء يظهر صرافوها نفسهم علناً كمنافسين لشركات الصرافة والمصارف؟ ظهور الصرافين بهذه الطريقة مقابل صرافات متوقفة يوجد عاصفة من التساؤلات والأفكار بين العامة عن مدى قوة السوق السوداء؟
مضيفاً: اللجوء لمدخرات السوريين لتصريفها نتيجة تجفيف السيولة عزز من قيمة الليرة السورية من ناحية سعر الصرف، لكن أفقدها أحد أهم وظائفها كعملة للتبادل التجاري على المستوى المحلي أقلها الادخار.

مقترحات
لذا من الأولى اليوم وفق رأي الخبير سنجر طرح جملة من الحلول لكسب هذه المرحلة، كونها تشكل فرصة حقيقية ذات أثر إيجابي يمكن لنا من خلاله فعلاً بناء اقتصاد حقيقي يعزز من قوة العملة المحلية ويخفف من ضغط سعر الصرف، مقترحاً بعض هذه الخطوط العريضة على أمل تحقيق شيء يكون نواة لحالة اقتصادية صحية بكل مكوناتها، أولها

إعلان خطة منهجية للمركزي للانتقال من طريقة العمل السابقة إلى منهجيات تحاكي تطلعات السوريين

تصحيح دور “المركزي” للالتزام بالعمل على السياسة النقدية، ففي ذهن الجميع مازال قائماً اجتماع رجال الأعمال مع حاكم المصرف في العهد البائد، والتصريحات التي صدرت لاحقاً لهذا الاجتماع والتي أظهرت المركزي بدور التاجر أو جامع التبرعات ومنحه الاستقلالية اللازمة.
أيضاً من الواجب إعادة النظر بكافة القرارات والمراسيم المتعلقة بالقطع الأجنبي وإعلان خطة منهجية للمركزي للانتقال من طريقة العمل السابقة إلى منهجيات تحاكي تطلعات السوريين، رفع درجة الشفافية مع المواطنين لأن استقرار القطاع المصرفي يبنى على ودائع الفقراء وليس على حركة أموال التجار والصناعين.
كذلك تثبيت جزئي لسعر الصرف على فترات زمنية ليست طويلة لتمكين التجار من إتمام الصفقات وضمان استقرار الأسعار نسبياً بحيث لا تتأثر جيوب المواطن الذي يسدد عن الجميع هذه الفاتورة.

تثبيت سعر الصرف
كما يدعو الخبير سنجر إلى تثبيت سعر الصرف بحيث يتماشى مع منهجية الموازنة الاثني عشرية التي تبنتها وزارة المالية، وهي فرصة للمركزي لرفع مرونة التعامل مع متغيرات سعر الصرف وإبقاء العين على التغيرات في مؤشرات مصارف دول الجوار التي ستساعد في وضع تنبؤ مالي مرحلي.

إدارة المخاطر
ضرورة تفعيل هيئة مستقلة لإدارة المخاطر خطوة مهمة، حسب الخبير سنجر، غايتها النظر بمخاطر السيولة والائتمان ومخاطر السوق بما فيها سعر الصرف وبالتالي لا يمكن لقرارات غير مدروسة أن تمر مرور الكرام، إضافة إلى التعامل مع الأموال المستردة وفق الأنظمة والقوانين، والعائدة لرجال النظام السابق، والضمانات العائدة للقروض المسحوبة وغير المسددة بما فيها قروض المصرف العقاري (بعضها يعود للثمانينات من القرن الماضي)، من خلال صناديق استثمار تطرح في سوق دمشق للأوراق المالية، تبقي على المعامل تعمل بمنجية القطاع الخاص وتؤمن عائداً مهماً للجميع وتنشط من حجم التداول في سوق دمشق للأوراق المالية.
وشدد الخبير سنجر على ضرورة تطبيق أهداف التنمية المستدامة على جميع عمليات المصرف المركزي وجعل المصارف رأس الحربة في سوق القطع الأجنبي والعمليات المصرفية بدلاً عن شركات الحوالات والصرافة.
إضافة إلى الاستيراد المدروس وبنسب جمركية تتماشى مع حجم التاجر بدلاً من مبالغ مقطوعة ووفقاً لأولويات تتعلق بالاستهلاك العام لتحفظ للسوري معيشة كريمة وأولويات تتعلق بالاستثمار، وتبني منهجيات صناديق الاستثمار وعقود BOT.
ودعا الخبير سنجر إلى تأهيل ناطق رسمي للمركزي أو تفعيل المكتب الإعلامي لديه بشكل جيد.
خاتماً: كل ما سبق هو غيض من فيض لكن البداية الصحيحة هي منتصف الطريق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار