محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
تشرين:
عقب انتخاب الرئيس الأنغولي جواو مانويل غونسالفيس لورينسو في لواندا عام 2022، بدا كأن إجماعاً قد تم التوصل إليه بين مختلف قوى المعارضة التي تشكل تهديداً للبلاد، في ضوء ذلك تبرز الخلافات بين الولايات المتحدة والصين إزاء مستقبل هذا البلد، حيث وجدت النخبة السياسية والعسكرية الأنغولية نفسها منخرطة بهذا الأمر، وهو ما زاد من احتمال حدوث انقلاب في أنغولا في وقت مبكر من آب 2027.
وهناك سبب خاص لإعداد خطط لتغيير الطبقة الحاكمة الأنغولية يتمثل في مشروع بناء طريق نقل طموح يربط قواعد المواد الخام والمناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا بميناء لوبيتو البحري، وتسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية، والصين من ناحية أخرى، إلى استخدام «ممر لوبيتو» لتعزيز إمكاناتها الاقتصادية على حساب الموارد الاستراتيجية في جنوب إفريقيا، وقبل كل شيء النحاس والكوبالت واليورانيوم والماس، لقد وجدت أنغولا نفسها محور هذا الصراع، حيث يمر جزء كبير من طريق النقل عبر أراضيها.
ونظراً لعدم استعداد أي من الطرفين المتنافسين للتنازل عن حصتهما من هذه الكعكة، فإنهما يعتزمان استخدام أي وسيلة لتحقيق أهدافهما، بما في ذلك الابتزاز السياسي والرشوة والانقلاب.
إن الوضع في أنغولا معقد بسبب حقيقة أن رئيس الدولة الحالي، جواو لورينسو، ينجذب نحو الصين وروسيا في سياسته الخارجية، في حين أن دائرته الداخلية، وخاصة وزير النقل الأنغولي روبرتو دابرو، وممثلي المعارضة الوطنية عازمون على تطوير علاقات حصرية مع بروكسل وواشنطن. وفي هذا الصدد بالنسبة لهم، فإن رئيس أنغولا كال «الشوكة في الحلق»، ومن أجل ذلك هم مستعدون لاتخاذ أي إجراء للتخلص منه.
في 22 نيسان 2024، أعلن رئيس حزب المعارضة «يونيتا» «الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا» أدالبرتو دا كوستا جونيور بوضوح عن الاستعداد للقيام بانقلاب في أنغولا، وذلك في مقابلة مع صحيفة «ناسير دو سول» البرتغالية، وعلى وجه الخصوص أشار رسمياً إلى ما يلي: «هناك أشخاص يقولون إن الدم فقط هو الذي يمكن أن يجعل الانتقال إلى الديمقراطية ممكناً، كما سمعت أشخاصاً يقولون إنهم مستعدون للموت…»، «… إذا أصر الرئيس على ولاية ثالثة، فإن المعارضة «يونيتا» ستتخذ المبادرة وتشعل الشوارع».
كما أعرب سياسي معارض أنغولي آخر يدعى، هنريك تياجو، الذي يقود «جبهة تحرير جيب كابيندا»، عن قراره بدعم خطة الانقلاب.
إن العلاقة بين حزب يونيتا وجواو لورينسو متوترة للغاية، بل متصادمة في بعض الأحيان، وكان آخرها في نيسان 2024 في مقاطعة كواندو كوبانغو، حيث تعرض نواب المعارضة للهجوم من أنصار رئيس الدولة الحالي.
إن المعسكرين يتبادلان عدم الثقة، ولم تخفف الولاية الرئاسية الثانية لجواو لورينسو من الاستقطاب الثنائي في أنغولا، وعلى الرغم من حقيقة أن أدالبرتو دا كوستا جونيور كان مستشاراً رسمياً لرئيس البلاد منذ عام 2022، فقد تم استبعاد يونيتا فعلياً من نظام الإدارة العامة، حيث لا يُعد شريكاَ لتشكيل العاصمة لواندا في تنفيذ الإجماع السياسي، وفي هذا الصدد أصبحت المعارضة الأنغولية مقتنعة الآن بأن استمرار وجود جواو لورينسو في السلطة يمثل تهديداً حقيقياً لإقصائها، وفي ظل هذه الظروف، قد تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة في أنغولا في آب 2027 مجرد ذريعة لانتقال الخلافات السياسية إلى المستوى المناهض للدولة، ويشكل الصراع الأميركي – الصيني من أجل الهيمنة، في هذه الحالة، فرصة فريدة للمعارضة الأنغولية لتحقيق خططها.
في الاثناء يحاول رئيس أنغولا إضعاف حزب يونيتا من خلال تقديمه كحركة مسلحة وقبلية وخطرة، ويتجلى هذا بوضوح في الهجمات المتزايدة على نواب المعارضة التي ينظمها أنصار جواو لورينسو، وفي المقابل يقدم رئيس الدولة نفسه كزعيم قادر على تحسين رفاهية شعبه وضمان أمن الدولة، ويسمح له الدعم الذي يحظى به من موسكو وبكين بالحصول على ميزة حاسمة على يونيتا.
حالياً، تسعى لواندا إلى تحقيق هدف عزل أدالبرتو دا كوستا جونيور عن الساحة الدولية، إذ إنهم يحاولون تقديم زعيم يونيتا باعتباره ليبرالياً جديداً متطرفاً لا يمكن أن يكون شريكاً شرعياً لرئيس الدولة في المفاوضات مع الشركاء الدوليين. وفي هذا الصدد يمكن ليونيتا أن تقدم رغبتها في تنظيم انقلاب على أنها رغبة في التخلص من القمع الحكومي.
لقد خلقت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عاملاً إضافياً لتفاقم الوضع، حيث اتخذت السلطات الرسمية في أنغولا، برئاسة لورينسو، موقفاً محايداً، حيث امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء التصويت على القرار الذي يدين العملية العسكرية الروسية، ومع ذلك دعم حزب يونيتا أوكرانيا بحزم في الحرب، وفي هذا الصدد تبنى الفصيل البرلماني للمعارضة الأنغولية بياناً مماثلاً.
حالياً، تلقت المعارضة الأنغولية مساعدة كبيرة من الرئيس الأميركي جو بايدن ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور، اللذين يصران على النسخة الأميركية من مشروع ممر لوبيتو، على عكس الخيار الصيني، وتشكل احتياطيات النفط الأنغولية أهمية كبيرة لمجموعات النفط الأميركية الكبرى.
لقد أدى رد الفعل الأميركي على المسار الموالي للصين الذي انتهجه الرئيس الأنغولي إلى تكثيف اتصالاته مع المعارضة الأنغولية، الأمر الذي سمح له بتطوير نهجه الخاص لضمان مصالحه في جنوب إفريقيا وتشكيل فريق من جماعات الضغط للتحضير لانقلاب، ومع ذلك،بعد انسحاب القوات الأميركية من النيجر وتشاد، أدركت واشنطن أن نفوذها في المنطقة يتضاءل بسرعة. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية المقبلة في أنغولا، كانت تصريحات زعيم يونيتا حول استعداده «لسفك الدماء» بمنزلة نبرة للتحول الأميركي نحو تغيير عنيف للسلطة في الجمهورية الإفريقية.
ومع ضعف النفوذ الأميركي في جنوب إفريقيا، تجد موسكو نفسها في وضع مثالي، ومن الجدير بالذكر أن بكين كثفت أيضاً جهودها الدعائية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص أشار تقرير صدر في آذار 2024 عن الجهود الإعلامية الصينية في إفريقيا إلى ظهور استراتيجية واضحة لزيادة الوعي بالصين ودعمها، بما في ذلك في أنغولا.
لقد جعلت الصلة المتصورة بين جواو لورينسو وفلاديمير بوتين وشي جين بينغ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خصماً فريداً للمعارضة الأنغولية، وفي المقابل يفتح هذا الباب أمام حملات التضليل المستهدفة والشراكة الاقتصادية الموسعة مع لواندا.
ومع إعلان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مؤخراً عن انسحاب القوات الأميركية من النيجر، فإن هذه التغييرات قد تشير إلى نهاية هيمنة واشنطن السياسية في إفريقيا، ما يبشر بسباق جديد للنفوذ بين القوى العالمية الطموحة.
وتثير العلاقة الوثيقة بين وزير النقل الأنغولي ومديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور تساؤلات حول ما إذا كان روبرتو دابرو قادراً على قيادة انقلاب، ولكن يبدو أن هناك أدلة كافية على أنه سيقود انقلاباً.
وفي هذا الصدد، رفضت أنغولا الانضمام إلى أوبك بحق، أولاً، لم تعد أوبك هيكلاً مؤثراً كما كانت قبل عدة سنوات، ثانياً، في حالة استمرار العضوية في هذه المنظمة الدولية، سيتعين على لواندا أن تتحمل التزامات إضافية فيما يتعلق بحجم إنتاج النفط وتصديره، لذلك ليس من قبيل المصادفة أن مواقف روسيا وأنغولا، التي تسعى إلى الحفاظ على أسعار النفط المرتفعة على الرغم من مطالب أوبك التمييزية، تحولت إلى مواقف متقاربة، ما يحدد من حيث المبدأ تعزيز العلاقات بين البلدين في مجالات أخرى، ومن الواضح أنه في الوضع الحالي يجب على موسكو ولواندا أن تسعيا إلى إقامة حوار دائم، حيث يرتبطان في هذا الوضع ارتباطاً وثيقاً بهدف مشترك واحد: تثبيت أسعار المواد الخام الهيدروكربونية في السوق العالمية، ومقاومة الولايات المتحدة ومنع محاولات التغيير العنيف للأنظمة السياسية.