مخاوف من التأثير السلبي في واقع الإنتاج الزراعي مستقبلاً .. الأرباح المُرضية تدفع الموز إلى تربع «العرش» زراعياً
تشرين- رشا عيسى :
مع الانتشار الواسع لزراعة الموز وزيادة الإقبال عليها من المزارعين تتصدر مخاوف من أن يحتل مكان الخضراوات المحمية، ما يمهد لأزمة لاحقاً قد تتولد من خلال شح وجود هذه المنتجات الزراعية في الأسواق، وبالتالي صعوبة الحصول عليها، الأمر الذي يحتاج أن يقترن هذا التوسع بالتخطيط والدراسة وعدم إغفال وجود تأثير سلبي للتوجه الكبير لدى مزارعينا في التوسع بزراعة الموز على واقع إنتاجنا الزراعي المحلي.
وإن كان لزراعة الموز القدرة على تحقيق الأرباح للمزارعين _ وهذا حق متاح لهم_ خاصة في ظل الظروف الضاغطة اقتصادياً التي يتعرضون لها، هل هذا الباب الزراعي المفتوح دائم العطاء لهم من حيث الشروط الزراعية والتربة والمناخ المحلي؟! سؤال بتردد باستمرار رغم أن المبررات الموجودة للإقبال على زراعة الموز مقنعة مبدئياً، لكونه يحتاج إلى مجهود أقل من ناحية العناية والمتطلبات الزراعية ومخاطر زراعته أقل في حال الفشل، وبالتالي الخسارة المادية محدودة، في حين أن نجاح المحصول يوفر أرباحاً مرضية للمزارعين، خاصة أن هذا النمط من الزراعات يعد موسمياً.
درويش: تحتاج زراعة الموز إلى المزيد من الدراسة والتخطيط وبشكل يحاكي واقعنا الزراعي الحالي
الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش رأى أن زراعة الأشجار والشجيرات الاستوائية محلياً من الزراعات التي تم إيلاؤها اهتماماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة الماضية، بالنظر للمردود الذي تحققه هذه الزراعة لكونها زراعة لأنواع وأصناف نباتية لم تكن معهودة سابقاً في الواقع والسوق المحلي، ولغلاء أسعار منتجاتها بالنسبة للمستهلك ونذكر منها: الدراغون والبابايا والقشطة والموز وغيرها.
زراعة الموز محلياً حققت توسعاً بالغ الأهمية في السنتين الماضيتين وبنوعية عالية لأصناف قد تضاهي الأصناف المزروعة في مناطق انتشار الموز في إفريقيا وأميركا الجنوبية، ليكون المحفز الأساسي والعامل المساعد في زراعة الموز محلياً هو تأمين الغراس محلياً ومن أصناف متعددة وباستخدام طرق الإكثار الدقيق بالأنسجة وذلك في مخابر بعض الشركات الزراعية العاملة على الأرض.
وبالنظر إلى تجارب سابقة في هذا المضمار، دفع عدداً لا بأس به من المزارعين للاستغناء عن واقع إنتاج الخضراوات المحمية واعتماد زراعة الموز ضمن صالات كبيرة مخصصة لهذا النمط من الزراعات.
وبين درويش أنه لا توجد حالياً إحصائيات دقيقة توضح المساحات المزروعة وعدد مزارع الموز المنتشرة، على اعتبار أن التوجه في التوسع بهذه الزراعة لا يزال في بداياته، والمعروف أن هذا النمط من الزراعات يعد موسمياً، حيث إن عملية الإنتاج خلال الموسم الزراعي من التشتيل حتى الحصول على المنتج اللازم للتسويق قد تتطلب فترة تتراوح بين ٧- ٨ أشهر، وتمتاز هذه الزراعة بالمقارنة مع غيرها من الزراعات المحمية الأخرى بأنها متطلبة وبدرجة أقل لعمليات الخدمة، إلا أنها ولكون الأنواع المزروعة استوائية، فهي متطلبة لظروف بيئية- مناخية مناسبة وعلى مدار العام، ما يشكل عائقاً أمام استمرارية الإنتاج في السنوات اللاحقة وفي ظل ظروف مناخية قد لا تكون مثالية.
ومن وجهة نظر اقتصادية، أوضح درويش أن هذه الزراعة تعد مربحة وذات ريعية اقتصادية عالية لعدة اعتبارات منها: غلاء ثمن هذه المنتجات محلياً حتى ما هو معدّ للتصدير خارجياً، فضلاً عن إمكانية التحكم بشكل كبير في تسويق الإنتاج، على اعتبار أن المحصول يجنى كما هو شائع قبل الوصول للنضج الاستهلاكي وبفترة زمنية لا بأس بها، الأمر الذي يتيح للمنتجين إما التسويق بشكل مباشر أو التخزين لفترات قد تقصر أو تطول وفقاً للشروط المتحكم بها في المخازن، هذا ولابد من الإشارة إلى الانخفاض الملاحظ في تكاليف إنتاج هذه الزراعة بالمقارنة مع غيرها من الزراعات المتبعة للخضراوات المحمية.
50 ألفاً سعر الغرسة الواحدة وإنتاجها يصل إلى 75 كغ
وشرح درويش أن وسطي أسعار الموز المنتج محلياً خلال العام تراوحت بين ١٥-٢٠ ألف ليرة، وعلى اعتبار أن تكلفة شراء الغرسة الواحدة قد تصل لـ٥٠ ألف ليرة سورية والتي يمكن أن يتراوح إنتاجها من الثمار بين ٥٠-٧٥ كغ لدى بعض الأصناف، وبالنظر لتكلفة مستلزمات الإنتاج لهذه الزراعة ضمن الصالات، فإنه يمكن التأكيد بأن مشروعات إنتاج الموز تعد رائدة حالياً في تحقيق رأسمال مناسب للكثير من المنتجين الزراعيين العاملين في هذا القطاع.
إلا أنه يجب عدم إغفال ألا يكون هناك تأثير سلبي للتوجه الكبير لدى مزارعينا للتوسع بزراعة الموز على واقع إنتاجنا الزراعي المحلي من الخضراوات المحمية التقليدية ووفرتها في السوق، ما قد يؤثر مستقبلاً في مدى وقدرة المستهلك العادي على اقتنائها.
لذلك تحتاج زراعة الموز إلى المزيد من الدراسة والتخطيط وبشكل يحاكي واقعنا الزراعي الحالي، ولا ضير هناك من تحقيق قفزة زراعية ملموسة في مجال إنتاج الموز للسوق المحلي حتى للتصدير إلى الأسواق المجاورة، وبشكل لا يترك أثره البالغ على حاجة السوق الداخلي من محاصيل وسلع زراعية أساسية لحياتنا اليومية، على اعتبار أن التوسع بهذه الزراعة الاستوائية يشكل عاملاً منافساً لكثير من زراعاتنا المحمية التقليدية.