ونسة عابد في “أثر”… مزيدٌ من الاختلاف وكثيرٌ من الثقة

تشرين- لبنى شاكر:
لا تتفق المهندسة والتشكيلية ونسة عابد مع الفكرة التي ترى في المعارض الفرديّة للفنان نهايةً ما وَصلَ إليها، إذ إن الرؤى والأساليب قابلة للتبدّل والتطوّر والنضوج برأيها، طالما كان صاحبها يعمل ويُجرّب ويُنتج، ومن هنا يأتي رفضها أيضاً للأحكام التي تُطلَق على التجارب في مراحلها الأولى، والتوقعات برؤية الطريقة نفسها كلّ مرة، بينما يُمكن لها مع الوقت أن تُقدّم ذات اللوحة بشكلٍ مُختلف، كما فعلت مُؤخراً في معرضها الفردي الثاني “أثر” المُقام في المركز الثقافي في أبو رمانة، بدعمٍ من جمعية بيت الخط العربي والفنون، حيث الاختلاف ظاهرٌ بعد عام على إقامة المعرض الأول، اتكاءً على الثقة التي تكوّنت عندها في نفسها وأسلوبها، مُضافاً إليها اشتغالها على الإخراج
الفني للوحة.

مفردةٌ جامعة
تُؤمن عابد بأن كلاً من البشر يترك أثراً في الحياة من حوله، بما يحمله من إنسانيّةٍ وما يخوضه من اختبارات، وفيما لو كان فناناً يُفترض أن يُخلّف وراءه شيئاً من فنّه وبصمته الإبداعية عدا عمّا يجب أن يُناضل لتحقيقه في إحداث علامةٍ في الحركة التشكيلية في مُحيطه، لهذا كان اختيارها المُفردة الجامعة للحضور والغياب عنواناً لمعرضها، وفي السياق ذاته تستحضر في حديثها لـ “تشرين” لوحاتٍ كانت شواهد وسِمات، استطاعت أن تحجز لنفسها مساحة في التاريخ العام والخاص، بل لطالما تمكّنت من إثارة الانتباه والنقاش رغم مرور زمن على ظهورها، من ذلك أعمالٌ لـلفرنسي مونيه والهولندي فان غوخ، وفي سورية لوحاتٌ لفنانين كبار أمثال فاتح المدرس، وعمر حمدي مالفا، ولؤي كيالي.

خيول وطبيعة
تحتل موضوعة الخيل جزءاً كبيراً من معرض عابد، فهي كما تشرح تشترك مع البشر في صفاتٍ عدّة، يُمكنها أن تكون غاضبة وقوية وصبورة وجامحة، لذلك شعرت بأنه يُمكن لها أن تنقل مشاعرها من خلال حالاتٍ مختلفة للخيول، تُضيف “اخترت صوراً من الانترنت، بحثتُ عما يُلامسني لأتمكن من تقديمها كلوحاتٍ فنيةٍ تشكيليةٍ، تعكس أشياء مما في داخلي”، ومن ثم تفننت في ألوان الخيل وحركاتها وإيماءاتها، فبدت أحياناً مُتحفزة، كأنها تُجهز نفسها لسباق، وفي المقابل أظهرتها أيضاً هادئة وادعة لا رغبة لديها في الاختلاط بآخرين، وهو ما ينسحب على لوحات الطبيعة، حيث وظّفت الألوان ببراعة بعيدة عن البهرجة والضجيج، مع بساطةٍ وسكينة ووداعة، أكسبت مشاهد الغابات والبحار، جاذبيةً ومهابة.

أساليب مُختلفة
تجتهد عابد في الأسلوب الواقعي رغم أن التجريد واضحٌ عندها، ولهذا على حد قولها أسباب إذ إن “الفنان يمر بمراحل ومدارس فنية مختلفة لكن الواقعية ضرورية جداً في بداياته لأنها تعطيه القوة والجرأة ليخرج من منظور الصورة إلى اللوحة الفنية، أي ليتمكن من موازنتها لونياً من خلال الظل والنور، مع دراسةٍ فنيةٍ شاملةٍ للتكوين، بحيث يملأ فضاء اللوحة برؤيته، ويمكن له مع الأيام ونضج التجربة أن يصل إلى مرحلة التجريد أو أي مرحلة يرى نفسه قادراً على إيصال فكرته من خلالها”، لكن ما تُؤكّد عليه التشكيلية هو أنه لا يُشترط أن يكون الفنان تجريدياً لنحكم على تجربته بالاكتمال فنياً وفكرياً، أو لنقول بأنه صاحب تجربةٍ لها مكانتها، وفي المحصلة “لكل فنان تجربته الخاصة التي تتماشى مع عصره”.

مُلتقى فني
ساهمت عابد في تأسيس جمعية بيت الخط العربي والفنون عام 2020، ووجدت فيها مُلتقى فنياً، تجمع من خلال نشاطاتها مبدعين في مجالات الفن المختلفة، من رسم وخط عربي وزخرفة وغيرها، عن طريق المعارض الفنية والندوات والورشات المجانية، لهذا شاركت باستمرار في معارض الجمعية المعنية بالخط والرسم على السواء، واستفادت من العمل مع رسامين وخطاطين من مختلف المدارس، تقول: “اللوحات رسائل وذات مُجسّدة، كلٌ منها بمثابة علم مرسل من خلال الألوان والتشكيل الحروفي، خاصةً إذا انتهج الفنان مدرسةً فنيةً معينة، وله بصمة إبداعية مميزة فيها”.
وفي تعليم فنون الرسم كالبورتريه وتقنية الإكريليك، تهتم بدايةً بتأسيس الطلاب، والتركيز على فهم مبادئ الظل والنور، والتظليل والتحجيم الصحيح لمختلف التكوينات التي تختارها لهم، ضمن خطةٍ متكاملة تساعدهم على فهم مختلف أنواع الخامات والعناصر فنياً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار