استهداف القناصل.. استدراج إلى حرب إقليمية 

تشرين- ادريس هاني:

استهتار الاحتلال الإسرائيلي بالقانون الدولي لم يعد جديداً، فهو يعلن الحرب ويبتغي توسيعها إقليمياً، ليس فقط للخروج من عنق الزجاجة، بل لكي يستدرج الغرب لموقف كلاسيكي في التدخل، غير آبه بتحولات معادلة القوة والمنعطف الجديد للنظام العالمي، إن استهداف قنصلية لدولة عضو في الأمم المتحدة داخل دولة ذات سيادة، هو جنوح مفرط في تقويض النظام العالمي وتهديد للسلم العالمي.

إقدام الاحتلال على تكرار العدوان، يعني أنّ مفاعيل عزل الكيان باتت نتيجة الضغط الذي يقوم به محور المقاومة، استهداف هيئة ديبلوماسية، رسالة تعكس سُعار الهيمنة وإرادة خلط الأوراق، ولكنه تأكيد على أنّ المستهدف طوّق الكيان بمعادلة صعبة لا يمكن الخروج منها إلاّ بخرق القانون الدولي.

ولا شكّ أنّ الرّد المتوقّع لن يكون في طول ما يستدرج الاحتلال فيه المنطقة، بل في عرض سياساته، لأنّ ردود الفعل التي يحددها الاحتلال هي سقوط في مخططه.

هذه الضربة تزامنت مع تطور في الموقف الروسي، يتجه إلى مزيد من التصعيد في ربط المعضلة الأوراسية بالشرق أوسطية، الدعوة إلى اجتماع أممي على خلفية الاعتداء على القنصلية الإيرانية بدمشق، هو جزء من تطور في الموقف الروسي في إطار نقل العنوان من العملية الروسية في أوكرانيا إلى الحرب الموسّعة.

الروسي تقدم بهذا القرار وسيكون له تبعات، لأنّ الروسي هنا فضّل الاجتماع  الأممي على فتح المجال لرد فعل ليس في مصلحة الغرب، حتى الآن الروسي يعزز السلم الإقليمي والعالمي، إنّ إدانة الكيان أممياً سواء في موضوع محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن، سيكون بداية تقويض حالة الاستثناء في الإفلات من العقاب، إنّ قنصليات الاحتلال هي طوع بنان صواريخ ومسيرات الإيراني، ولكن هذا الأخير لا يبدو في وارد الثأر المباشر لقادته الذين استهدفتهم صواريخ الاحتلال، سنشهد لا محالة تطوراً كبيراً في معادلة الصراع، مزيد من تفكيك قواعد الاشتباك، وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة، يدرك الإيراني أنّ ظهره غير محمي في معركة كُبرى، فالعدوان على الأراضي السورية أو القنصليات الإيرانية والعراق ولبنان واليمن لا يجد التضامن الصريح ولا الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، وحتى الآن هناك من يتمنّى للمحور الانهيار لأسباب مكروبيولوجية، وفي سياق هذا الصمت والتلكُّؤ – عادة هناك من يستدرك الأمر بعد أن نحرجهم بمقالاتنا- يكون محور المقاومة في وضعية تملي عليه الخيارات الصعبة.

إن الاحتلال من ناحية أخرى يمنح إيران الكثير من المبررات للمُضيّ في هذه المعركة، ولقد أدرك الروسي أن هذا يستهدف أيضاً وجوده ويضعه أمام إحراج كبير، إنّ معركة تُستباح فيها السيادة وتُقوض فيها قواعد الاشتباك، ويُنتهك فيها القانون الدولي، فضلاً عن جرائم الإبادة ضد شعب مظلوم، تؤكد على أنّ التصعيد حين يرتبط باللاّمعنى، يكون نهاية معزوفة حرب على قواعد لا تتحقق دون وضع حدّ لحالة الاستثناء في استحقاقات الحرب.. إنّ الخناق اشتد حقاً حول الاحتلال.

إنّ استهداف الحاج سليمان ذات مرّة، بخلاف تقوّلات من لا عهد لهم بالحرب وتفاصيلها، وبالفعل وبلا مواربة، وبلا هروب من هذه الحقيقة، قد أنتج هذه المعادلة الجديدة، حيث وضع كياناً أمام تحدٍّ وجودي، تلك طريقة الإيرانيين في الثّأر، فالمعركة ليست معركة أشخاص، بل معركة بنيات قائمة، وحتى الآن يتأكد أنّ الاحتلال يدرك أنّ المتغير الأساسي في معادلة الصراع هو طهران، لأن المعركة بينها والاحتلال هي معركة بنيوية وليست فقط تاريخية، وهنا المسألة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار