هل استنفدت أميركا كامل خياراتها لتقدم مشروع قرار دولي «ضد» الكيان الإسرائيلي؟.. قراءتان مختلفتان والنتائج مفتوحة.. رفح ما زالت في عين العدوان الإسرائيلي
تشرين – مها سلطان:
يبدو أن الولايات المتحدة قررت أن ترمي بثقل إضافي خلف التحذيرات الإقليمية والدولية لمنع الكيان الإسرائيلي من مهاجمة رفح، وهذه المرة عبر مجلس الأمن الدولي من خلال قرار «متشدد» لوقف إطلاق النار بشكل فوري ودائم في قطاع غزة (كجزء من صفقة تبادل الأسرى والرهائن). والمشروع حسب صيغته «النهائية» المُسربة من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، حرص على ألّا يترك أي منفذ أو باب أمام الكيان للتحايل والالتفاف والاحتيال في سبيل تنفيذ الهجوم، بمعنى أنه سعى لحشر الكيان في أضيق زاوية من دون أي إمكانية للمناورة، وإلا فإنه سيخسر جزءاً كبيراً من الدعم الأميركي إذا ما اعتبرنا أن المشروع – وكونه أميركياً – فهو سيتخذ صفة الإلزام غير القابل للرد من قبل الكيان، وخصوصاً أن فرص تمريره في مجلس الأمن كبيرة، بل أكيدة، لأنه يتضمن دعوة فورية دائمة لإطلاق النار وفق ما كان يطالب به الجميع منذ خمسة أشهر ونصف الشهر، ما بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي.
– تساؤلات لا بد منها
على أن مشروع القرار الأميركي الذي من المتوقع طرحه أمام مجلس الأمن خلال يومين أو ثلاثة يطرح أسئلة رئيسية، ليست متعلقة بالمشروع فعلياً، بقدر ما هي متعلقة بالكيان الذي سيجد نفسه أمام مواجهتين؛ الأولى مع الولايات المتحدة الأميركية، والثانية مع مجلس الأمن الدولي.. وإذا كانت المواجهة مع مجلس الأمن لطالما كانت الأسهل على الكيان وهو الذي انتهك لعقود سبعة مضت كل القرارات الصادرة عنه، إلا أنه من غير المعروف اليوم إذا كان قادراً على فعل المثل عندما يكون الخصم هو أميركا نفسها. الإدارات الأميركية المتوالية/جمهورية كانت أم ديمقراطية/ دعمت حتى الآن كل الانتهاكات الإسرائيلية للقرارات والقوانين الدولية، وبما أعطى الكيان امتياز فعل ما يريد، وإطلاق آلته العسكرية لتنفيذ أشنع وأقسى المجازر بحق الشعب الفلسطيني، ودول عربية أخرى، وبأكثر الصور إجراماً ووحشية في التاريخ.. لكن اليوم يبدو أننا سنشهد بداية افتراق إذا جاز لنا التعبير، حيث أن أميركا باتت تواجه وضعاً مصيرياً في المنطقة، في وقت يُعقد فيه الكيان عليها مهمة «ترميم» واحتواء الانحسار المتواصل في نفوذها وهيبتها في المنطقة لمصلحة ألد الخصوم، روسيا والصين.
الهدف الأميركي ليس إنسانياً بقدر ما هو متعلق بالكيان الإسرائيلي وحمايته، وتالياً حماية المصالح الأميركية في منطقة تواجه فيه أميركا وضعاً مصيرياً
أميركا تحدثت غير مرة عن «الحالة الضارة» التي بات عليها الكيان الإسرائيلي بالنسبة لها، وإن كانت حاولت أن تلصق وتحصر هذه الحالة الضارة بنتنياهو فقط، فهذا لا يعني أن الكيان بمجمل متزعميه تحول فعلياً إلى حالة ضارة تعرقل جميع المخططات الأميركية في المنطقة سواء مخططات المواجهة مع الخصوم، أو مخططات الإبقاء على المنطقة منطقة نفوذ أميركي خالص.
مشروع القرار الأميركي «الذي خضع للكثير من التعديلات وصولاً إلى صيغته النهائية التي لم يعد من الممكن تغييرها» حسب وسائل إعلام إسرائيلية.. والذي يتجاوز «حالة القلق» من إمكانية مهاجمة رفح، إلى اعتبار الهجوم، في حال حدوثه، هو انتهاك خطير وحقيقي للقانون الإنساني الدولي.. هذا المشروع يمكن اعتباره سابقة، إذ لم يحدث أن وجهت أي إدارة أميركية تهديداً علنياً واضحاً للكيان، أو سعت إلى إلزامه بقرار دولي.
– تفاؤل.. لا تفاؤل
مع ذلك فإن هذا المشروع لا يمكن وضعه في خانة الإنساني بقدر ما يمكن وضعه في خانة مصالح أميركا التي باتت على المحك في المنطقة التي هندسها كيسنجر لمئة عام في مفاوضات ما بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973، خصوصاً بالنسبة لما كان يسمى دول الطوق، ولمنع حرب ثانية مماثلة، وإذا كان هناك من يعتبر أن الهندسة الكيسنجرية أسقطتها عملية طوفان الأقصى فإن الاعتبار الأصح من ذلك – وبعد 164 يوماً من العدوان على غزة – هو أن الكيان بات أكثر من يهدد هذه الهندسة الكيسنجرية من خلال إصراره على مهاجمة رفح وإسقاط القوائم الإقليمية للنفوذ الأميركي، وبما يهدد بامتداد الحرب إقليمياً.. وأميركا حتى الآن لا تجد لها مصلحة في ذلك. وحتى إن كانت تجد لها مصلحة في الحرب الإقليمية فإن الكيان يجرها إليها بطريقة خطيرة، باتجاه تداعيات إقليمية شديدة الحساسية وبعواقب كارثية، وهذا ما تعرفه أميركا جيداً.. الفارق اليوم أن «لا آذان مصغية» في الكيان لهذه المخاوف الأميركية، ولا لما يهدد المصالح الأميركية في المنطقة. وفعلياً لم يسبق أن كانت قنوات الاتصال والاتفاق معطلة بين الجانبين بهذه الصورة التي هي عليها اليوم.
في حال مضى المشروع الأميركي قدماً فإن الكيان سيجد نفسه أمام مواجهة مزدوجة.. مع مجلس الأمن ومع الولايات المتحدة وبما سيجعل من الصعب عليه جداً رفض أي قرار سيصدر
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي جدد، أمس الأحد، التأكيد علىأن واشنطن لن تدعم أي عملية عسكرية في رفح من دون خطة واضحة، وأنها ستواصل الضغط على الكيان للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار واستعادة الرهائن. وقال كيربي في مقابلة مع شبكة «أي بي سي نيوز» الأميركية: من دون خطة قابلة للتنفيذ تضمن أمن وسلامة مليون ونصف مليون نازح، فإن أميركا لن تدعم أي عملية عسكرية في رفح.
بكل الأحوال، لا يعني ما سبق أن نركن إلى تفاؤل كبير، فما زال هناك عدة أيام قبل تقديم المشروع الأميركي، وإن كانت أميركا تضغط على الكيان الإسرائيلي فهي تضغط أيضاً عربياً، عدا عن أنه لا بد من انتظار تقديم المشروع، وما إذا كان الكيان سيواصل ما يسميه مراقبون (التمرد) على أميركا في مواصلة العدوان ومهاجمة رفح، رغم إنه من غير المقنع بصورة كلية القول بأن الكيان يتمرد على أميركا وهي التي تمده بكل وسائل الاستمرارية وتعمل ليل نهار على جعله جزءاً من المنطقة، بل هو جزء قائد فيها وعلى كل المستويات.
– قراءة ثانية
ومن هذه الزاوية، هناك من يقدم قراءة مختلفة للمشروع الأميركي باعتبار يوفر للكيان سلماً للنزول عن شجرة التهديدات العالية التي يواصل إطلاقها، بمعنى الأهداف التي أعلن أنه لن توقف الحرب إلا بتحقيقها كاملة، وبذلك يضرب عصفورين بحجر واحد، الأول النزول عن الشجرة، والثاني هو تقديم الكيان باعتباره ملتزماً بالقوانين الدولية.
المشروع الأميركي قد يكون لحماية الكيان وإنزاله عن شجرة الأهداف العالية التي وضعها، وعليه لا بد من توفير مخرج مشرف بمزاعم إنسانية عبر طرق باب مجلس الأمن
ولأن رفح هي مركز المشروع الأميركي، فإن الاعتقاد هو أن الكيان لا يريد مهاجمة رفح أو غير قادر على مهاجمتها، ولو أنه كان قادراً لفعل ذلك، فهو أيضاً كما أميركا يعرف جيداً التداعيات الخطيرة لهذا الهجوم، عليه وعلى أميركا، هذا عدا عن أن الكيان بات منهكاً على كل المستويات وبصورة لا تكاد تخفى على أحد، خصوصاً فيما يتعلق بجيشه والقضايا المرتبطة به لناحية انخفاض التجنيد وفرار الجنود والكمائن التي تودي بحياة المزيد ومن بينهم ضباط وقادة مناطق، والانقسامات داخل هذا الجيش لناحية إدارة الحرب والاستمرار بها على ما هي عليه، ولذلك فإن الكيان يريد مخرجاً، وهذا ما تفعله أميركا عبر مشروعها الحديث عن المشروع الأميركي يأتي متزامناً مع استئناف مفاوضات تبادل الأسرى والرهائن في جولة جديدة اليوم في قطر، ولكن من دون تفاؤل كبير، إذ إن النجاح، وكما في المرات السابقة، مرهون بالكيان وبعرقلته الدائمة لمسار التفاوض، سواء بانقساماته الداخلية الحادة (والتي من ضمن نتائجها عدم توسيع صلاحيات الوفد الإسرائيلي المفاوض) أو سواء بإصراره على استمرار العدوان بما يتضمنه من مجازر، بما في ذلك مد هذا العدوان إلى رفح.
– مجازر جديدة
في الأثناء، لا تتوقف المجازر الإسرائيلية، وآخرها سقوط عشرات الضحايا والجرحى في اقتحام القوات الإسرائيلية لمجمع الشفاء الطبي بالدبابات والمسيرات والجنود المدججين بالسلاح، بذريعة التعرض لإطلاق نار من داخل مجمع الشفاء، ولورود معلومات عن وجود مسؤولين لحركة حماس في المنطقة، وبأنهم يستخدمون مشفى الشفاء في عملياتهم.
وسبق للكيان الإسرائيلي أن ادعى ذلك في جميع استهدافاته للمشافي والمجمعات الطبية في غزة، وهو ما ثبت أنه كذب محض وبلسان مسؤولي الكيان أنفسهم، ولكن يأتي كل ذلك في سبيل توسيع وتعميق معاناة الشعب الفلسطيني، وتثقيل حرب الإفناء ضده سواء بالجوع والحرمان من المساعدات أو بحرمانه من الاستطباب ومنع الأدوية عنه.
يأتي ذلك فيما يعلن الكيان استمرار الاستعدادات لمهاجمة رفح، وبأنه قرار لا رجوع عنه، وفيما اعتبر وزير خارجية الكيان، يسرائيل كاتس، بأن العدوان لن يتوقف من دون الدخول إلى رفح، وأن رفح هي «طريق النصر»، قال نتنياهو بأن الهجوم على رفح سيستغرق عدة أسابيع، وقد وافقنا على الخطط التنفيذية للهجوم بما في ذلك عمليات الإخلاء، معتبراً أن هذا الهجوم هو الطريقة الوحيدة لممارسة الضغط العسكري اللازم لاستعادة الرهائن.