بلينكن «يُسوق» لرد المقاومة.. لماذا وهل تخشى واشنطن تصعيداً إسرائيلياً خطراً باتجاه رفح.. فيلادلفيا يطيح بترتيبات «كامب ديفيد»؟.
تشرين – مها سلطان:
كما يبدو، لن يغادر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل إقرار هدنة جديدة، رغم أنّ احتمالات الفشل لا تزال أكبر من احتمالات النجاح في ظل ما أعلنه الكيان الإسرائيلي مباشرة من رفض لما تضمنه رد حركة حماس على المقترحات التي سبق عرضُها عليها للوصول إلى هذه الهدنة، وهي مقترحات أميركية كما هو معروف.
– توسيع العدوان
وما يعزز احتمالات الفشل، التهديدات الإسرائيلية بتوسيع العدوان باتجاه رفح جنوبي قطاع غزة، وهي تهديدات طغت على أجواء الهدنة، لما لها من مخاطر كبيرة جداً تنذر بنقل المنطقة كلها إلى مستوى أخطر من التصعيد، وهذه المخاطر تتركز على مستويين: الأول على مستوى الكارثة الإنسانية في حال وسّع الكيان عدوانه إليها باعتبارها مكتظة بما يُقارب مليون ونصف مليون فلسطيني، هم بمجملهم من النازحين إليها بفعل استمرار العدوان الإسرائيلي.
والمستوى الثاني يتركز على مصر وما يُعد مسّاً مباشراً بأمنها باعتبار أنّ العدوان على رفح لا بدّ أن يعمد الكيان الإسرائيلي إلى مدّه ليشمل محور صلاح الدين/فيلادلفيا (الذي تنظم عمله اتفاقية كامب ديفيد 1979) وهو ما يهدد به متزعمو الكيان علناً، ويقولون إنّ الأزمة مع قطاع غزة لن تنتهي إلّا باحتلال محور فيلادلفيا والسيطرة عليه بالكامل، وليس كما هو حاله حتى اليوم (تقاسم سيطرة حسب كامب ديفيد وبما يمنع الكيان من القيام بأي عملية عسكرية من دون موافقة مصر). وهذا الاحتلال له ما بعده خصوصاً على مستوى خطة تهجير الفلسطينيين باتجاه سيناء وفق المخطط الإسرائيلي القديم الحاضر دائماً وهو إقامة دولة فلسطينية باقتطاع أجزاء من أراضي مصر (في سيناء) وباتجاه الأردن.
بلينكن نقل إلى الكيان قلق بايدن البالغ من توسيع العملية العسكرية باتجاه رفح.. وتحذيرات من كارثة إنسانية فيها فهي تكتظ بما يقارب مليون ونصف المليون فلسطيني مجملهم من النازحين
التهديدات الإسرائيلية التي يبدو أنها على وشك الدخول في إطار التنفيذ – حيث كثف جيش الاحتلال غاراته صباح اليوم الخميس على مناطق جنوب رفح موقعاً المزيد من الشهداء والجرحى والدمار- ردت عليها مصر مراراً وتكراراً بالرفض والتحذير، وعلى ذمة الإعلام الإسرائيلي فإنّ بلينكن نقل إلى متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، خلال لقائه معهما أمس الأربعاء، قلق الرئيس الأميركي جو بايدن «البالغ» بشأن توسع العمليات العسكرية باتجاه رفح.
– قلق بايدن «البالغ»
ولا ندري ما إذا كان تعبير «البالغ» هو من الدرجة الكافية التي يمكنها اقناع الكيان الإسرائيلي بوقف توسيع العدوان باتجاه رفح/فيلادلفيا، والمخاطرة بزعزعة ترتيبات «كامب ديفيد» وهي ترتيبات انعكست منذ إقرارها على مستوى المنطقة كلها وليس على مستوى مصر فقط، وهذا ما بات المراقبون يحذرون منه بصورة متصاعدة، متسائلين ما إذا كانت النيات الإسرائيلية المبيتة هي الإطاحة بهذه الترتيبات، باتجاهات أخرى منفردة تحقق من خلالها مخطط التهجير، وتالياً دولة فلسطينية على غير الأراضي الفلسطينية التاريخية.
ما تفعله إدارة بايدن حالياً هو محاولة إنزال الكيان عن شجرة الأهداف العالية والقبول بما هو مطروح لأنّ الغد غير مضمون ليس فقط للكيان بل للولايات المتحدة أيضاً
أيضاً لا ندري ما إذا كانت زيارة بلينكن وقلق بايدن «البالغ» من الدرجة الكافية لإقناع الكيان بالموافقة على هدنة جديدة، وذلك على قاعدة أنه مهما استمر العدوان فإنّ الأهداف الإسرائيلية من ورائه لن تتحقق، وأن ما تفعله إدارة بايدن حالياً هو محاولة إنزال الكيان عن شجرة الأهداف العالية التي وضعها، والقبول بما هو مطروح، لأن الغد غير مضمون، ليس فقط بالنسبة للكيان، بل للولايات المتحدة، في ظل أنّ المنطقة بمجملها باتت أكبر تحدٍّ للولايات المتحدة وزعامتها العالمية.
– «أمل» بلينكن
بكل الأحوال، فإنّ بلينكن، كما توحي تصريحاته، يعمل على نوع من «تسويق» الرد الذي وصل من حركة حماس، ليس بالضرورة أن يكون هذا التسويق شاملاً لكل الرد، ولا بدّ أنّ الكثير من التفاوض سيجري حوله في الأيام القليلة المقبلة، بدءاً من اجتماع فصائل المقاومة المقرر اليوم في مصر، واجتماع لـ «الكابينيت» الإسرائيلي المقرر غداً لبحث الرد على الرد ، فيما كان نتنياهو استبق الاجتماع، ومباشرة وقبل أي تصريحات لمسؤوليه، برفض الرد والتأكيد على أنّ العدوان مستمر حتى تحقيق كامل الأهداف.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية نقلت عن مصدر في مكتب نتنياهو يوم أمس قوله: «..حقيقة أنّ حماس تطالب “إسرائيل” بسحب قواتها من أجل وقف إطلاق النار فهذا أمر لن توافق عليه أبداً». وأضاف: إنّ «إسرائيل» تدرس الرد لكنها متشائمة بشأنه.
بلينكن في تصريحاته على «رد حماس» رأى أنه لا يزال هناك أمل في التوصل إلى اتفاق، وأنه لا يزال هناك مجال للتفاوض، وقال: نرى مساحة لمواصلة المفاوضات لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى اتفاق، وهذا ما نعتزم القيام به.
الكيان مصدوم من قول بلينكن: “حتى نهاية عمري سأسأل نفسي يومياً بأي ذنب قُتل أطفال غزة..” ونقول لبلينكن: ذنبهم برقبة بلادك وكيانها فهما في الجريمة سواء وشركاء
لكن بلينكن قال بالمقابل إنّ هناك أشياء غير مشجعة في الرد، من دون أن يحدد ما هي هذه الأشياء.
وعليه، يكون بلينكن يشير بشكل غير مباشر إلى أن المفاوضات ستركز على «نقطة وسط» بين «المساحة المتوفرة للتفاوض» وبين تلك «الأشياء غير المشجعة» وغير خافٍ هنا أنه يقصد بالنسبة للكيان الإسرائيلي. هذه النقطة الوسط هي التي دفعت المراقبين إلى إبداء شيء من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة في الأيام القليلة المقبلة ومن ضمنها اتفاق حول تبادل الأسرى.
يشار إلى أن ردّ حماس يقترح وقفاً لإطلاق النار لمدة أربعة أشهر ونصف الشهر، على ثلاث مراحل، كل مرحلة مدتها 45 يوماً، يتم خلالها إطلاق سراح جميع الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع بصورة كاملة، والتوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء الحرب (وفي الهدنة الوحيدة حتى الآن، التي استمرت لمدة أسبوع في نهاية تشرين الثاني، تم إطلاق 110 من الرهائن مقابل إفراج الكيان عن 240 أسيراً فلسطينياً).
– صدمة في الكيان
وكان بلينكن أثار غضب الكيان الإسرائيلي بأمرين؛ الأول عندما طلب لقاءً منفرداً مع هرتسي هاليفي رئيس أركان جيش الاحتلال، وهو ما قوبل بالرفض من قبل نتنياهو، فيما عدّ مسؤولون إسرائيليون هذا الطب بمنزلة إهانة، حيث إنّ «لقاء وزير خارجية أجنبي برتبة عسكرية من دون وجود مسؤول سياسي هو أمر غير وارد في العلاقات بين الدول». وقالوا: «اسرائيل ليست جمهورية موز».
الأمر الثاني هو تصريح بلينكن حول ضحايا العدوان الإسرائيلي من الأطفال الفلسطينيين. بلينكن قال: كل يوم وحتى نهاية عمري سأسأل نفسي يومياً عن أطفال غزة الذين قتلوا من دون ذنب».
الكيان الذي عدّ تصريح بلينكين صادم وغير مسبوق، رد بالقول إنّ مسؤولية أطفال غزة تقع على عاتق الجانب الفلسطيني وحده.
ربما كان على بلينكن أن يتوجه بالكلام نفسه لإدارته، إدارة بايدن، فأطفال غزة، وكل الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا في العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 124 يوماً، ووصل إلى 28 ألف ضحية حتى الآن إضافة إلى عشرات آلاف المفقودين والمصابين.. كل هؤلاء ذنبهم برقبة أميركا وليس فقط برقبة الكيان الإسرائيلي، فهما في العدوان وفي الجريمة سواء وشركاء.