استعادة لكارثة الزلزال من وجهة نظر سينمائية.. محمد سمير طحان يلامس أوجاع الطفولة عبر فيلم “نجمة”
دمشق- ميسون شباني:
التقاطة ذكية لبعض مفردات الحياة اليومية للإنسان السوري ومحاولة تقديم حكاية بأسلوب فني جديد هو ما اعتمده المخرج السينمائي محمد سمير طحان عبر فيلمه القصير “نجمة”وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وبطولة كلٍّ من: مي مرهج، فراس الفقير، عبير البيطار، آيات الأطرش والأطفال شهد الشطة، يانا العائدي ونور الدين طحان ومشاركة من محمد سعيد طحان ولين طحان.
أول نص سينمائي
حكاية صاغها بنسيج سينمائي محكم وبلغة فنية عالية، أبصرت النور أخيراً ، فالنص الأساسي للفيلم قديم كان قد حاز على جائزة سيناريو الأطفال عام 2015 في المؤسسة العامة للسينما، وكان يحمل عنوان “الدمية المحاصرة” وهو أول نص سينمائي يقوم المخرج طحان بكتابته، ويحكي قصة طفلة هُجّرت مع عائلتها بفعل الإرهاب وتركت وراءها دميتها، لتكابد الحزن على فراقها وهي تعيش في مركز الإيواء، ثم تأتي ممثلة متطوعة مع مجموعة من الشباب للقيام بنشاط ترفيهي للأطفال في المركز، وتطلب منها الطفلة طلباً غريباً لم تفهمه بداية، ولكنه يعكس مقدار ألمها وتوقها لإحضار دميتها، لتبدأ رحلة هذه الشابة لتعيد للطفلة ابتسامتها من جديد.
مواضيع ملحة
لكن المخرج طحان أعاد صياغته بأسلوب جديد وخطوط متنوعة، يقول المخرج طحان لـ”تشرين ” بأنه بعد أن تحررت أغلب الجغرافيا السورية من الإرهاب على أيدي أبطال الجيش العربي السوري أضحىت هناك مواضيع أكثر إلحاحاً، وتم تأجيل تنفيذ هذا الفيلم من قبل المؤسسة، حتى جاءت كارثة الزلزال العام الماضي ما أعاد النص للواجهة فقمت بإعادة معالجته ليتواءم مع هذه الكارثة التي لا تقل عن فاجعة الحرب وما عشناه طوال العشرية الماضية، وتقدمت بطلب للمؤسسة لإنتاج الفيلم وتم تنفيذه وفق الرؤية الجديدة تحت عنوان (نجمة)… ويضيف: النص الجديد تضمن وجود شقيقتين تعانيان فقدان لعبتهما “نجمة” مع التعمق في خط درامي آخر على خلفية الحكاية الأساسية حيث يُظهر الفقد الإنساني الحقيقي الذي عاناه الكثيرون من منكوبي الزلزال” وهو شخصية “ماري” التي فقدت ابنتها خلال هذه الكارثة، ومن ثم حاولت أن أظهر الكثير من التفاصيل بشكل غير مباشر لأظهرَ تكافل وتعاون أفراد ومؤسسات المجتمع السوري للتخفيف عن بعضهم وبلسمة جراح المنكوبين والمتضررين من الكارثة .
روح الفريق
ويستكمل طحان بأنه تمت إقامة جلسات عمل ونقاش مع الممثلين حول الشخصيات، في محاولة منه لخلق جوٍّ للعمل والألفة والعمل بروح الفريق فهو يترك للممثل إضافة رؤيته للشخصية بما يخدم مقولتها ضمن المقولة العامة.
وعن الإضافات التي قدمها الممثلون لشخصياتهم قال طحان إن الفنان فراس الفقير اقترح أن يعمل الأب في المجال الإغاثي فقررنا أن يكون متطوعاً في توزيع الإعانات على منكوبي الزلزال لتأكيد فكرة أن المجتمع السوري هو المعني الأول بإغاثة أبنائه ومساندة منكوبيه ورغم كل الآلام والظروف الصعبة يمكننا أن نداوي جراحنا بأيدينا، كما اقترحت الفنانة مي مرهج أيضاً أن تكون الأم مُدرّسة وإلى جانب اهتمامها بتعليم أطفالها كي لا يفوتهم شيء من التحصيل التعليمي، فهي تُدرّس أطفال مركز الإيواء انطلاقاً من واجبها الأخلاقي والاجتماعي كمُدرّسة تحمل رسالة تربوية وإنسانية ووطنية تجاه الجيل، وحملت هذه اللفتة الكثير من المعاني والرسائل حول أهمية التكافل والاهتمام بالتعليم.
على قضايا الأطفال
وبخصوص تركيزه على عوالم الطفولة في زمن الحرب قال طحان: إنّ مشروعي في السينما خلال سنوات الحرب هو قضايا الأطفال على تنوعها وخاصة الشرائح الأكثر تضرراً منها، فمثلا عالجت قضية اليتم في فيلمي “إشارة حمرا” و”رائد فضاء”، وقضية التشرد في “قضبان المدينة”، وعمالة الأطفال في “أماني”، وقضية فقدان الرعاية الأسرية في “بوظة”، وهنا أعالج الفقد، ودائماً أضع في حساباتي وأنا أكتب وأنفذ ما كتبت أن تصل رسالتي للأطفال وللكبار عبر معالجة القصة بعدة مستويات تمكن أغلب الشرائح من التقاطها والتفاعل معها وفهم رسالتها ومقولتها لتترك أثراً في نفوسهم وعقولهم وتحرضهم على التفكير في عدة نقاط مرتبطة بحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم.
كما سعيت عبر هذه الأفلام للإضاءة على أهمية اكتشاف المواهب ودعمها والغوص في تفاصيل كل طفل من هذه الشرائح المنكوبة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والمعرفي له، لمعالجة ما أصاب هذا الجيل من جروح مادية ونفسية، وبالطبع لا يزال لدينا الكثير للحديث عنه والعمل عليه، فلا مستقبل لأي مجتمع لا يعنى بأطفاله وحاضرهم لأنهم هم المستقبل الذي يجب أن يكون مشرقاً.
الإيمان بالقدرات
وبخصوص الدمج بين عمله الصحفي والسينمائي أكد بأن غايته المساهمة في بناء مستقبل سورية من خلال تجاربه المتعددة في المسرح والسينما إلى جانب عمله الصحافي والإعلامي وما يمتلكه من إمكانات ضمن الفرص المحدودة التي تتاح له مع شركاء حقيقيين مؤمنين بهذا المشروع الثقافي والمعرفي والوطني المهم.