«شهر» أميركي لإنهاء العدوان على غزة ماذا بعده؟.. «مفاجأة» انقلاب جمهوريي الكونغرس على الكيان الإسرائيلي.. مرحلي أم تحول سيتكرس؟

تشرين – مها سلطان:
ليس مُفاجئاً ذلك الحديث المتسع عن أن الولايات المتحدة وضعت جدولاً زمنياً لانتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، فقد بات من اليقين لديها أن هذا العدوان بدأ يأخذ مسارات سلبية جداً، قد تتحول في الأيام المقبلة إلى خسارات ثقيلة.. والحديث هنا ينسحب على كل الجوار الإقليمي وبما لا تنفع معه شراكات واشنطن مع دول فيه.
شبكة «سي إن إن» الأميركية نقلت عن عدة مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة الرئيس جو بايدن أبلغت الكيان الإسرائيلي أن لديه حتى نهاية العام، شهر واحد، ومن ثم لا بدّ من إنهاء العدوان، ومع إنهاء العدوان لا بدّ أن يكون لدى الكيان تصور واضح لوضع قطاع غزة.

مطلب إسرائيلي
ومن سياق التصريحات الإسرائيلية يبدو أن إنهاء العدوان هو مطلب إسرائيلي أيضاً، ولكن لا بدّ أن يكون ذلك وفق «تخريجة» تحفظ ماء الوجه، وهو ما تتكفل به إدارة بايدن، لذلك جاء حديث جيش الاحتلال الإسرائيلي عن فترة الشهر لإنهاء العدوان، منسجماً مع الحديث الأميركي، مع العمل على تجميل المسألة بالقول إن فترة الشهر كافية لتشديد الضغط الميداني على فصائل المقاومة وبما يدفعها باتجاه اتفاق هدنة جديد وفق الشروط الإسرائيلية، هذا بدايةً.. ثم العمل على تنفيذ «تصور» ما بعد غزة وفي المخطط الإسرائيلي «الأميركي» المعروف.

«تصور» ما بعد غزة قد يكون هو نفسه عامل تفجير جديداً في المنطقة، وإذا ما انفجرت الأوضاع فإن غزة لن تكون ساحتها ولن تكون فصائل المقاومة أطرافها.. قد تكون على مستوى دول هذه المرة

هل هذا يعني أنه بإمكاننا البدء بالعد العكسي؟

سياسات الاحتواء والتهدئة
ليس بالضرورة، ففترة الشهر قد لا تسير وفق ما تريده واشنطن إلّا إذا كانت واثقة من قدرتها، أولاً على ضبط سلوك الكيان وميدان العدوان وفق مسارات لا تنفلت ولا تكون فيها مفاجأت متفجرة.. وثانياً أن تكون واثقة من قدرتها على ضبط تطورات الإقليم (جبهات المقاومة) بمعنى التعامل معها وفق سياسات الاحتواء والتهدئة (وضبط النفس) أقله حتى يمر هذا الشهر، وبعده لكل حادث حديث، فإذا ما هدأت جبهة غزة تعود الولايات المتحدة إلى حالة ما قبل 7 تشرين الأول الماضي.. هذا ما تمنّي نفسها به، رغم أن هناك اتفاقاً وتوافقاً في أوساط الجميع، سياسيين ومحللين ومراقبين، أن أي شيء لن يعود إلى سابق عهده، وأن «التصور» آنف الذكر قد يكون هو نفسه عامل تفجير جديداً في المنطقة، وإذا ما انفجرت الأوضاع مرة أخرى، فإن غزة لن تكون ساحتها، ولن تكون فصائل المقاومة أطرافها، إذا ما انفجرت الأوضاع فإنها ستكون على مستوى دول هذه المرة.

 فترة الشهر قد لا تسير وفق ما تريده واشنطن إلّا إذا كانت واثقة من قدرتها، أولاً على ضبط سلوك الكيان.. وثانياً أن تكون واثقة من قدرتها على ضبط التطورات

هذا ونحن لم نتحدث بعد عن التأزم المتسع ما بين أميركا والكيان الإسرائيلي حيال «تصور» ما بعد إنهاء العدوان على قطاع غزة، فإذا ما صدقت التقارير الإعلامية فإنّ خلافات شديدة بين الجانبين تحكم هذا التصور.. إضافة إلى مسألة في غاية الأهمية بل هي الأهم، والمتمثلة في مسألة التصرف من منطلق أن الكيان الإسرائيلي ربح الحرب، وأن عدوانه على غزة، والذي دخل شهره الثالث (62 يوماً) أفرز رصيداً يمكن للكيان الإسرائيلي أن يبني عليه ليجبر فصائل المقاومة (والجوار المعني) على القبول بتصور أميركي إسرائيلي لما بعد إنهاء العدوان على غزة، بعد شهر من الآن، وفق الجدول الزمني الأميركي.

انقسام في الإدارة الأميركية

وعليه، يكاد يختفي الحديث عن هدن جديدة، مقابل استمرار القصف الإسرائيلي على غزة، والذي تتصاعد وحشيته بصورة متعمدة ومُخطط لها من قبل الكيان الذي يعمل على أوسع تمهيد ممكن لميدان غزة وبما يضع «التصور» الإسرائيلي، بحكم الأمر الواقع.. الكيان وفق وتيرة القصف التي يعتمدها يسعى لجعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للعيش تمهيداً لـ «حلول سياسية» مقبلة ما بعد إنهاء العدوان.

 لا هُدن جديدة.. ووحشية القصف الإسرائيلي هدفها جعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للعيش تمهيداً لفرض حالة أن الكيان هو من ربح وهو من يفرض الشروط

في خضم كل ذلك، كان لافتاً أن يُعرقل الأعضاء الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأميركي إقرار حزمة مساعدات طارئة للكيان الإسرائيلي (وأوكرانيا)، صحيح أن الأسباب خلف ذلك لا تتعلق بغزة وبعشرات آلاف الضحايا من أهلها على وقع القصف الإسرائيلي الوحشي المستمر عليهم، وإنما بسبب نزاع حول الهجرة «على الحدود الجنوبية».. صحيح أنه لا يتعلق بغزة «وأهدافه داخلية انتخابية» إلّا أنه مؤشر على أن انقساماً كبيراً في الإدارة الأميركية بدأ يأخذ مسارات عملية بمواجهة بايدن وسياساته حتى لو كان الأمر متعلقاً بالكيان الإسرائيلي، وهذه فارقة وعلامة تحول كبير في التاريخ الأميركي وعلاقاته مع الكيان منذ تم زرعه كياناً إرهابياً في المنطقة في أربعينيات القرن الماضي.. وليست فقط مجرد هزيمة سياسية للرئيس بايدن مقابل خصومه الجمهوريين، رغم تحذيراته المتواصلة من هذه العرقلة ومن أنها ستنعكس بعواقب قاسية.
وهذا لا بدّ أن ينعكس بشكل أو بآخر على ميدان غزة، إذ لم يكن من الممكن – حتى الآن- تصور أن يتم عرقلة أمر يخص الكيان الإسرائيلي، فكيف يكون الحال وهذا الكيان في «حالة حرب».. وربما كان هذه الأمر هو ضمن خلفيات توجه إدارة بايدن لوضع جدول زمني للعدوان على غزة، حتى لا تجد نفسها قريباً بمواجهة جبهتين، الأولى في منطقتنا، والثانية مستجدة على مستوى الداخل.. ولأن المرحلة مرحلة انتخابات مصيرية لبايدن فلا بدّ من احتواء الضغوط وإغلاق منافذ الابتزاز والمساومات قدر الإمكان وإلّا فإن بايدن وحزبه يتجهان نحو هزيمة انتخابية حتمية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار