طرق التجارة العالمية من دمشق إلى الشرق الأدنى

تشرين – وائل الأمين: 

زيارة الرئيس الأسد إلى بكين تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار، دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ تلقاها الأسد، لتكون هذا الزيارة عنوان المرحلة المقبلة من التعاون الإستراتيجي، فما دلالات الزيارة؟

منذ عام 2011 تشن الدول الغربية واتباعها في المنطقة حرباً ضروساً على سورية، في هذه الحرب تبين للسوريين الصديق من العدو، فسورية التي استطاعت أن تختار حلفاءها بجدارة، بقيت صامدة بوجه المشروع الذي يهدف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات، واليوم بعد اثني عشر عاماً من الحرب استطاعت سورية إفشال المخطط، عبر الصمود الشعبي وكذلك وقوف الحلفاء في بكين وموسكو إلى جانب سورية في المحافل الدولية، ولكن أمريكا تريد استكمال دائرة الحصار الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي على سورية وشعبها بعدما تم هزم المشروع الأمريكي التقسيمي.

زيارة الرئيس الأسد إلى الصين هي الأولى منذ عام 2004، تأتي الزيارة في هذا التوقيت الحساس محلياً وعالمياً، وهي تعكس قوة الدولة السورية داخلياً، وإفشال الحصار السياسي عالمياً، تريد بكين من هذه الزيارة إخراج سورية إلى الساحة العالمية، ولعلّها بدأت في هذه الخطوة منذ عام 2021 عندما زار سورية وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 17/7/2021 يوم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية ليكون أول المهنئين للأسد، ولعل أهمية هذه الدعوة الآن تأتي في وقت يكثر فيه الحديث عن طرق الاقتصاد الجديدة، من الهند إلى الإمارات والسعودية وصولاً إلى ميناء حيفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً أن عدداً كبيراً من زعماء العالم سيكونون موجودين في افتتاح الألعاب الآسيوية، زيارة تأتي بعنوان حضور الافتتاح الرسمي للألعاب الآسيوية في هانغجو، لكن الوفد السياسي والاقتصادي المرافق للأسد يعني أن الزيارة هدفها اقتصادي بحت، فسورية بعد هذه السنوات من الحرب بحاجة إلى الخبرات الصينية والشركات خصوصاً في البنية التحتية والخدمات وإعادة الإعمار.

تولي الصين اهتماماً كبيراً لزيارة الأسد، فهي تدرك تماماً أهمية موقع سورية الجيوسياسي الذي يُعد أساسياً في كل مشاريع الطرق التجارية في المنطقة، ولذلك فإن هذا الزيارة تعنون المرحلة المقبلة من التعاون الوثيق بين سورية والصين، حيث لا يمكن إنكار أن الصين بدأت تكثف علاقاتها في الشرق الأوسط الذي يعد منطقة نفوذ تاريخي للولايات المتحدة الأميركية، ولكن بكين تعتمد في علاقاتها الخارجية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وكذلك الأمر تدرك تماماً أهمية عدم وجود خلافات بين حلفائها ومن هذا المنطلق استطاعت رعاية المصالحة السعودية – الإيرانية لأنها تعلم جيداً أن كل الاستثمار الاقتصادي في مشروع كالحزام والطريق بحاجة لوجود بيئة مستقرة سياسياً وأمنياً.

من ينظر إلى السياسة الخارجية للصين يعرف أنها بدت أكثر جرأة في الوقوف بوجه الولايات المتحدة، خصوصاً أنها مع تلك الشعوب التي حاولت واشنطن تمزيقها ومحاصرتها، فبكين التي استقبلت منذ أيام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ورفعت مستوى التعاون مع فنزويلا إلى شراكة إستراتيجية قادرة على الصمود، تستقبل اليوم الرئيس الأسد، فهذه السياسة باتت أشبه بالتحدي للغرب الذي يحاول عزل هذه الدول عن المحيط العالمي.

يدرك الرئيس الأسد قوة الصين الاقتصادية ولاسيما في إعادة الإعمار، فسورية التي تقول دائماً أن أولوية إعادة الإعمار للدول الصديقة، تتجه اليوم نحو أقوى حليف اقتصادي لها، بل وفي العالم، فكل البنية التحتية التي دمرها الإرهاب يمكن أن تكون الصين هي من ستعيد إعمارها، ربما احتفاء الإعلام الصيني بهذه الزيارة يعكس مدى أهميتها بالنسبة لبكين التي تريد أن تكون جزءاً فاعلاً في إعادة الإعمار، وكذلك رغبة الصين باستفزاز أمريكا رداً على الكثير من الاسفتزازات الأمريكية في تايوان.

إن فكرة تشكيل عالم متعدد الأقطاب تكون فيه الصين وروسيا أهم الفاعلين يمكن أن تكون قد وصلت إلى خواتيمها، ولذلك ستكون الفترة المقبلة أكثر تعاوناً وتعاضداً من قبل كل المحور الشرقي في وجه من يريد بقاء القطبية الواحدة، فسورية التي عانت كثيراً في العقد المنصرم آن لها أن تنتفض من جديد وتعود للساحات الدولية من بوابة هانغجو، فهل سيكون العقد القادم تحت عنوان الطرق التجارية من وإلى سورية.. يتساءل مراقبون؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار