في يومه الأخير «فيا آراب» يبحث في أهداف الهوية والانتماء
تشرين- أيمن فلحوط:
حرص المشاركون في اليوم الثالث للمؤتمر الاستثنائي الخمسين لاتحاد المؤسسات العربية في دول أمريكا اللاتينية “فيا آراب” الذي عقدت جلساته في رضا سعيد بجامعة دمشق، على الحوار المباشر في المحور المخصص لهذا اليوم” أهداف الهوية والانتماء” وكانت فرصة غنية لهم في الحوار مع وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح، وكذلك نائب رئيس جامعة دمشق للشؤون الإدارية الدكتور محمد عبد الرحمن تركو.
وقدم المشاركون أفكاراً عديدة في سبيل الحفاظ على الهوية، مطالبين بالمزيد من التواصل، والبحث عن السبل لتعزيز تلك المفاهيم، لتكون حاضرة في كل زمان ومكان، ودلالة ذلك المشاركة في هذا المؤتمر الاستثنائي، والتعلق بالوطن والرغبة بالالتصاق بالجذور وتعميق ذلك من خلال المشاركة الواسعة في مختلف الفعاليات المجتمعية السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها.
معاناة الثقافة من الحرب
وكانت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح قد استعرضت في الجلسة الأولى في محور الهوية والانتماء،ما عانت منه الثقافة خلال الحرب على سورية، مبينة أنه رغم الحرب الإرهابية التي تعرض لها الوطن على مدى 12 عاماً، والتي كانت تستهدف أصالة الهوية السورية، وما أصاب عناصر التراث الثقافي المادي واللامادي من ضرر وتخريب متعمد وسرقة وتهريب، إضافة إلى الحصار الخانق، ومؤخراً كارثة الزلزال، إلا أن ذلك لم يزد الشعب السوري إلا إيماناً وعزماً على التمسك بهويته وانتمائه، ولم يصب الوطن بالوهن.
د.مشوح : رغم الحصار الخانق وكارثة الزلزال لم يصب الوطن بالوهن
وأضافت وزيرة الثقافة: “عملنا جميعاً برعاية كريمة من السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد لحماية التراث وصونه توثيقاً وترميماً وتأهيلاً واسترداداً للمسروق والمهرّب منه”.
وأوضحت الوزيرة مشوح أهمية الانتقال لمرحلة بناء الفكر والإنسان والنظر بعمق في مسألة الهوية الوطنية وتعريفها وتحديد مكوناتها، ولا سيما أن الحروب والأزمات تعصف بالشعوب، وتفعل فعلها في العقول والنفوس.
واعتبرت وزيرة الثقافة أن الهوية الوطنية هي القاسم المشترك الأعظم لمختلف الهويات الثقافية المتشكلة ضمن الدولة وأنها أساس قيامها، والمعبرة عن منظمة العلاقات، ويتجلى الشعور بالهوية الوطنية انطلاقاً من حب الوطن والانتماء إليه واستشعار فضله، ثم بالولاء وتغليب مصلحته في كل الظروف، وذلك انطلاقاً من القناعة بأن المصلحة التي تربط أفراده مصلحة مشتركة والمصير واحد.
وأشارت الوزيرة مشوح إلى المسلمات التي ترتكز عليها الهوية الوطنية وهي أن لكل جماعة في الوطن الواحد هويتها الثقافية التي تختلف بالتعبير عن خصوصيتها ضمن إطار الثقافة الوطنية الجامعة.
كما بينت الوزيرة الجوانب الفنية المتعلقة بعمل الوزارة، وأبرزها الهيئة العامة للكتاب وهي أكبر دار نشر في سورية، والمؤسسة العامة للسينما، والمكتبة الوطنية مكتبة الأسد، عدا عن القيام بعرض مئات المسرحيات المخصصة للكبار والصغار، والمعارض الفنية التشكيلية والملتقيات من نحت ورسم، والفرقة الموسيقية، ومديرية ثقافة الطفل.
اللغة في بلدان الاغتراب
ورداً على تساؤل «تشرين» حول تأكيد الدكتورة مشوح خلال كلمتها.. كنا الحراس الأوفياء للغتنا العربية، والسهار على تطويرها وإغنائها لتواكب التطور، وكيفية العمل على تحقيق ذلك مع بلدان الاغتراب بينت وزيرة الثقافة صعوبة العمل على انتشارها الآن في الخارج، كوننا فقدنا الأدوات لذلك، وهي المراكز الثقافية التي كانت منتشرة في العديد من بلدان الاغتراب قبل الحرب على سورية، وكنا نقيم فيها دورات مهمة جداً لتعليم اللغة العربية، في البرازيل وفنزويلا وإسبانيا في مدريد، والأرجنتين.
وكانت مراكزنا الثقافية مصادر إشعاع حضاري ولغوي، ونافذة سورية في الخارج، ولأسباب لوجستية بحتة وبسبب الحرب على الوطن وحالة الضيق اضطررنا لإغلاق تلك المراكز، لعدم المقدرة على استمراريتها، ولكننا اليوم مع استمرارها بطرق أخرى، ريثما تعود إلى ما كانت عليه سابقاً، ويمكننا الاستعانة الآن بالروابط الثقافية في دول المهجر، ونشجع على إقامة هذه الروابط، وسنمدها بكل ما نستطيع من أدوات تعريفية بلغتهم الأم وبحضارة بلدهم.
وهناك العديد من الممارسات البسيطة التي يمكن لأبنائنا في المهجر أن تشعرهم بأنهم على صلة بأوطانهم. علماً أن هؤلاء ليسوا من الجيل الأول ولا من الجيل الثاني، وربما ليسوا من الجيل الثالث، يعني أن أجدادهم ذهبوا قبل 150 سنة أو 200 سنة، وأهلاً وسهلاً بهم في وطنهم، وعلينا أن نوثق الوشائج والتعاون فيما بيننا.
وبينت الدكتورة مشوح في حديثها عن الهوية الوطنية، أن التاريخ والمنتج الحضاري للأمة عنصر مهم جداً للتعريف بهذا التاريخ، وهذا الإرث الغني والإنساني العريق تاريخياً، والتعريف بالحياة والواقع الذي يعيشه الوطن الأم، منذ 12 عاماً وهو واقع مؤلم، ولذلك علينا أن نشرح لأبنائنا كل هذه الأمور مجتمعة، وأن يكونوا بدورهم رسل حضارة ورسل حق، ورسل صدق وينقلوا بأمانة ما شاهدوه، وسنبقى على تواصل معهم، وقامت وزارة الثقافة بتزويدهم بأفلام وثائقية ومطبوعات عن سورية والمنجزات الحضارية والواقع الذي نعيشه.
التعريف بجامعة دمشق
وفي الجلسة الثانية بين نائب رئيس جامعة دمشق للشؤون الإدارية الدكتور محمد عبد الرحمن تركو ما تقوم به جامعة دمشق في الحفاظ على الهوية العربية الأصيلة، من خلال عرض لفيلم تعريفي بكليات الجامعة على ساحة العاصمة، والحرص على تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من خلال مركز خاص بذلك.
الصورة المغايرة
وقال سيمون حجل من الجالية السورية في الأرجنتين: هذا اليوم الثالث لنا في المؤتمر وقد تطرقنا لمواضيع عديدة في السياحة والاقتصاد، وبصراحة فوجئنا بما رأينا من استقرار بعكس الصورة الظلامية التي ترصدها وسائل الإعلام المغرضة المضللة للواقع، وهذا ما يشجعني وكذلك زملائي من رجال الأعمال للمساهمة في إعادة الإعمار، وفي القيام بعدة مشاريع استثمارية مستقبلاً، وهناك عوامل مشجعة من خلال الإعفاءات الضريبية والميزات المقدمة للمستثمرين، وفي اجتماعنا اليوم بلقاء السيدة وزيرة الثقافة تطرقنا لموضوع اللغة العربية لأنه مهم جداً، للتبادل الثقافي مع المتحدرين من أصول سورية في بلدان الاغتراب، وخاصة في أمريكا الجنوبية، وطلبنا أن يكون هناك تبادل أكبر في المجال الثقافي، ولدينا في الأرجنتين النادي السوري اللبناني، ونقيم النشاطات الثقافية العديدة التي نوضح من خلالها الصورة الحقيقية للوطن، وكيف يتعافى بعد الحرب الظالمة عليه، ونرصد الجانب الإعلامي لأخبار الوطن من خلال إبراز ذلك في النادي عبر نشاطاته المختلفة.
وأضاف حجل: ندرك حجم العقوبات الكبيرة المفروضة على الوطن من دون وجه حق، وسنبذل قصارى جهدنا وبكل قوة لكسر ذاك الحصار أحادي الجانب، من خلال تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية، بما يساهم في توطيد وتعزيز الارتباط بالوطن الأم.
المشاركون في المؤتمر: حماية التراث الوطني وتعميق الهوية والارتباط بالوطن ونقل الصورة الحقيقية المغايرة للإعلام المضلل
أهمية المؤتمر
ولفت الانتباه المهندس هشام ونوس بحرصه على الترجمة الفورية ونقل المعلومة للأطراف المتحاورة كافة، وعلمت «تشرين» أنه من خريجي كوبا، ويعمل صحفياً ومديراً لمكتب تلفزيون فنزويلا، وفي حديثه لـ«تشرين» يؤكد المهندس ونوس أهمية المؤتمر بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري في دحر الإرهاب والعصابات الإجرامية، وتضحيات الشهداء لبسط السيطرة على تراب الوطن وطرد الإرهاب من مساحات واسعة من الأراضي السورية، كما تأتي أهمية المؤتمر في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها سورية، المتمثلة في الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن الحصار والإجراءات الغربية في هذا الصدد.
ونحن بحاجة لهذه المؤتمرات لوجود الجالية السورية، أو المتحدرة من أصول سورية وتعيش في أمريكا اللاتينية، لكي تساهم حقيقة في إعادة بناء سورية، وإيصال الصورة الحقيقية لما حصل إلى شعوب أمريكا اللاتينية، في مواجهة الحملة الإعلامية الغربية الكبيرة، التي تشوه الصورة الحقيقية للأحداث، وسمعة السلطات السورية وحضارة وثقافة الشعب السوري.
ويقع على الجالية السورية الموجودة في أمريكا اللاتينية مسؤولية حماية العادات والتقاليد والحضارة والثقافة ونقلها إلى أمريكا اللاتينية.
ويمكنني القول إن أهمية المؤتمر تنبع من كونه، يشكل رسالة تضامن قوية مع سورية في مواجهة الحرب الإرهابية، ومواجهة الحصار وقانون قيصر والعقوبات الظالمة المفروضة على سورية.
د. سوسان: نأمل أن يكون المؤتمر انطلاقة جديدة لتعزيز عمل (فيا آراب)
الجلسة الختامية
وفي الجلسة الختامية للمؤتمر أمل معاون وزير الخارجية والمغتربين الدكتور أيمن سوسان في كلمة له خلال الجلسة أن يكون هذا المؤتمر انطلاقة جديدة لتعزيز عمل (فيا آراب) ليستطيع النهوض كصوت واحد في البلاد الموجود فيها وخلق رأي عام مناصر للقضايا العادلة لأمتنا العربية.
بدوره أكد رئيس اتحاد المؤسسات العربية في دول أمريكا اللاتينية (فيا آراب) جورج علم أن فيا آراب كان على مدى نصف قرن من الزمن المدافع عن القضايا المحقة والنبيلة لأمتنا العربية ووطننا الأم، ونعبر عن تضامننا اللامشروط مع قضايا الشعوب العربية العادلة، وندين كل الاعتداءات والحصار الجائر الذي يؤدي للإضرار بالشعوب.
وكانت الوفود المشاركة قد تبادلت الدروع مع كل من وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح ونائب رئيس جامعة دمشق، وكان لافتاً تقديم الجالية الأرجنتينية لقميص اللاعب العالمي المعروف ميسي، في هذه الاحتفالية.