ملف «تشرين».. نيات الانخراط في التكتل العربي المنتظر تصطدم بمخاوف مشروعة من الإغراق التجاري
تشرين- منال صافي:
من أبرز المشكلات التي تواجه منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى هي الإغراق، إذ يشكل تهديداً جسيماً على عملية تبادل البضائع ويشكل خطراً للتجارة المنصفة والمنافسة العادلة في إطار سوق المنطقة، وتبدو مخاطر الإغراق كثيرة منها ما يؤدي إلى إغلاق المصانع المحلية وانخفاض طاقتها الإنتاجية، وارتفاع نسبة البطالة، ونزف العملات الأجنبية إلى خارج البلاد، عدا تدميرها للاقتصاد الوطني والآثار الضارة على اقتصاد المستهلك من حيث الجودة لهذه المنتجات بسبب رخص الثمن والتهافت على شرائها.
الإغراق من الناحية الاقتصادية هو حالة من التمييز بتسعير منتج ما، وذلك عندما يتم بيع ذلك المنتج في سوق بلد مستورد بسعر يقل عن سعر بيعه في سوق البلد المصدر، لذلك يمكن التحقق من وجود الإغراق عند مقارنة الأسعار في سوقي البلدين المستورد والمصدر، ولمكافحة الإغراق تفرض بعض الدول رسوماً لا تزيد على هامش الإغراق عند دخول المنتج من المنافذ الجمركية للبلد المستورد، وتسمى هذه الرسوم رسوم مكافحة الإغراق، أو قد يطبق نظام الحصص في الاستيراد حيث تحدد كميات محددة لإدخالها إلى البلد أو قد يشترط عدم دخول هذه المواد إذا كانت تحظى بالدعم من أجل تصديرها في بلد إنتاجها.
علي ديب: يخشى أن يكون الإغراق في المرحلة القادمة
من أدوات الحرب الاقتصادية للقضاء على ما تبقى من صناعاتنا
ومع عودة بلادنا إلى مكانها الطبيعي في جامعة الدول العربية، ومع عودة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية مع هذه الدول وتحديداً منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى يخشى البعض من الوقوع في فخ الإغراق التجاري، وربما لهذا الخوف مسوغاته.
إذ يرى الدكتور سنان علي ديب الخبير الاقتصادي أنه في الظروف الحالية السوق السورية متعطشة للبضائع، ومع التضخم الكبير وارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم توافر المواد الأولية وعدم القدرة على المنافسة فإن المنتجات القادمة إلى الأسواق المحلية ستكون حتماً أسعارها منخفضة مقارنة بالمنتج المحلي، ومن الصعب مواجهة الإغراق إلا عبر جدولة احتياجاتنا وتحديد البضائع المسموح باستيرادها، وحماية المنتج الوطني والصناعات الناشئة.
وتخوف علي ديب من أن يكون الإغراق في المرحلة القادمة إحدى أدوات الحرب الاقتصادية للقضاء على ما تبقى من صناعاتنا، لافتاً إلى التجربة المريرة والمعاناة من الإغراق قبل الحرب من البضائع القادمة من تركيا وغيرها من الدول المجاورة، التي أثرت سلباً في صناعاتنا الوطنية، فأغلب الصراع والحقد التركي تجاهنا كان ضد صناعاتنا خاصة النسيجية وصناعة الإسمنت وعدم قدرته على منافستها.
بالمقابل، هناك بعض وجهات النظر تؤكد أن القلق من الإغراق لا مسوغ له، إذ يرى الصناعي محمود الزين أن الاستهلاك أذواق، وكل مستهلك يشتري ما يرغب به، ففي السعودية ولبنان والأردن وغيرها من الدول العربية الاستيراد فيها مفتوح على مصراعيه، وهناك دول عربية فيها محال خاصة بالمنتجات السورية ويرتاد هذه المحال زبائن يرغبون بها تحديداً من دون سواها، وكل منتج جودته تقابل سعره، وكل شريحة من شرائح المستهلكين لها طلبها.
الزين: يخطىء من يعتقد أن التعتيم على المنتج الآخر هو حماية للمنتج الوطني
وأردف قائلاً: يخطىء من يعتقد أن التعتيم على المنتج الآخر هو حماية للمنتج الوطني، فلا يوجد ما يسمى إغراقاً للأسواق فهناك أذواق خاصة بكل شريحة من المستهلكين، والمنتجات السورية مطلوبة في كل العالم ولها زبائنها، لافتاً إلى أن الانسيابية وتحريك الأسواق أمران ضروريان ويجب الابتعاد عن نمطية العقلية المغلقة في إدارة الاقتصاد، فالزمن تغير وحجة الحفاظ على القطع الأجنبي في هذا السياق غير صحيحة، لأن المستهلك الذي يرغب بسلعة غير متوفرة في الأسواق المحلية بالطرق النظامية سيحاول الحصول عليها تهريباً وذلك يسبب استنزافاً للقطع وتفويت عائدات على الخزينة.
وختم بالقول بأن سورية مازالت تصدر منتجات غذائية ونسيجية للعالم كله، وجودة منتجاتها لم تختلف، وتحظى بقبول كبير، لكنّ هناك ضعفاً في الإنتاج بسبب ظروف الحرب والحصار.
اقرأ أيضاً:
ملف «تشرين».. العمل العربي المشترك.. بين مطرقة الضغوط السياسية وسندان توحيد الجهود