«محمد وحيد علي» على مقاس فضاءاته ينشُر فستان الشمس ويزيّنه بالحبق

تشرين- راوية زاهر:
(من فضاءالشّاعر) مجموعة شعرية للشّاعر السّوري محمد وحيد علي صّادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب مؤخراً.. ضمّ الكتاب بين دفتيه ثمانية عناوين لنصوص شعرية متفاوتة الطّول والحجم، وتخللتها قصائد قصيرة حملت تبويبةً بعنوان: (أمواج مشتعلة) ليختم الشاعر بالقصيدة التي كادت تأخذ نصف حجم الكتاب، وهي التي حملت بشكل تقليدي عنوان المجموعة كاملة (من فضاء الشاعر)، وهو العنوان الذي طالعنا على غلاف الكتاب، حاملاً إيانا للسباحة بكامل الوعي العميق والغوص في عظمة نتاج فنيّ يحمل وعي تجربته الجمالية، ويمتلك أدوات نتاجه الفكري والإبداعي، فكان الكتاب تجربة شعرية متكاملة في جمالياتها وحالاتها الرؤيوية والأسلوبية، موقعاً إيانا في دهشة الحضور الجمالي للمكان، ناهيك بحالة التّماهي مع المنظور الوصفي للظواهر الحسيّة والإدراكية.
فقد تناول الوطن بكل تفصيلاته المكانية والنفسية ومآلات الحرب التي أتت على الحجر والبشر، بفطيمه وصبيته، كهولته وشبابه، وقد جال في مهاوي رداها من منظوره النفسي المباشر بعيداً عن التنظير والتسييس.. وقد أخذنا هذا النص من قصيدة (تجليّات الحلم واليقين) :
…. ولقد رأيتُ النّار تطوي
في الثّرى بلداً
تناثر واحترق..
والموج يرفو في الغروب
ثياب من رحلوا
بخيطان الشفقْ
ويكحّل الأشجار من
حمر الضفاف
فلا ندى يزهو
ولايعلو عبقْ
والليل مقلوبٌ
على جسد النهار
فلا تقوم الشمس
أو يصحو الحبق
وقد تجلى البحثُ في ظلاله البعيدة عن الحنان والدفء المخبّأ في سرّ العائلة في قصيدة «ظلال بعيدة» :
رمانة بيضاء
يحملها اليمامْ
هي قلبُ أمي
..
وأبي يودّعُ في الغروب
حقوله الخضراء
حين تموجُ في بريّةٍ
….
هي جدّتي قرب الجدار
كأنّ عينيها المخبأتين
في ليل الأسى
زرّان من وردٍ
يلمّان المساء،
ويفتحان
بصيص حلمٍ مستطابْ
فقد كان له موقفه من الحرب، وحمل اليأس ناقوساً، وردم التّراب فوق مدافن الأمل، وقد تجلّى اليأس في المقاطع القصيرة وعناوينها الموحشة التي تبدّت في تكرار مفردات الموت، والمقبرة، والتوابيت، وحلكة الليل مطالباً الكائن الكلي القدرة أن يأخذ دمه يملّح به الأرض كي تستمرالحياة.. وهذه القطعة من قصيدة موتٌ آخر:
لايموت الأنام
من الحزن
واليأس
والانفجار
بل يموتون
إن أيقنوا
أنّ خلف الدّمارِ
سيأتي الدّمارْ
وفيما يخص اللغة ؛ فقد امتلك الشّاعر لغة إيحائية خاصة، مزيّنة بموسيقا داخليّة وخارجيّة أطربت أذن المتلقي.. كما تفنّن بحكم المقدرة اللغوية الجليّة والفذّة في الغوص في عالم الانزياح اللغوي، وما تركه من براعة في رسم صور فنيّة راقية للعبارة، فخرج بلغته الفردية عن اللغة العادية في استغراقٍ ساحر للمحسوسات في منحى حركي.. وقد تمثل في الحضور الباذخ للاستعارة والتشبيه والمجاز والإيماء والتخييل في انفلاتٍ ساحرٍ من سلطة المعتاد والمألوف في سبيل تحقيق هدف جمالي على مستوى البناء والدّلالة.. وسنتوقف عند بعض هذه الصّور:
أبصر (النّار تمشي)،
(شمسٌ تستحم)
(ينهشنا الخراب) ،
(جاء الموج يمشّط شطآن الغربة)
( يلمّ يداها الدّهشة).. كلها استعارات مكنية؛ ذُكر فيها المشبه وُحذف المشبه به مع ترك شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية محدثة دهشة جمالية وتشخيصاً فنيّاً جميلاً.
(روحي تلالٌ) ،
(مائي فرات)
(موجي ربيعٌ)
(منديلها بستان لون).. كلّ منها تشبيه بليغ.
(خيطان الشّفق)
(دم المجزرة)،
(تلالُ الحلم).. كلّ منها أيضاً تشبيه بليغ إضافي، وقد لعبت دوراً مهماً في جنوح الخيال وإعمالِ الفكر في المتناقصات وتحريك المشاعر والأحاسيس، كما كان استخدام الشاعر لأسلوبي الخبر والإنشاء بشكلٍ كبير لخدمة نصّه شعورياً ودلالياً:
وهل عليك أن تموتَ
أو تموتَ؟!
وأن تعيش جثةً
ينقصها التابوت.. إنشاء نوعه استفهام.
ماذا وراء الماء؟
يا بحرانتظرني، إنشاء نوعه نداء.
أما الخبر مثاله:
بلبلٌ
فاحمُ الريش جاء،
وغرّد مستمتعاً بالنّجاة
إذ برزت في المعجم اللغوي عناصر الطبيعة وقيم العلو والرفعة متمثلة بالغيم والسماء والجبال والينابيع، التيه، الشاهق، الارتفاع، قمم، الليل، السماء… أمّا التّناص فقد ختم به الشّاعر قصيدته من فضاء الشاعر، والذي يكاد يكون تناصاً يتيماً بذكره «المهاتما غاندي» ذلك الزعيم الروحي في الهند كحالة ملهمة للحريّة والحقّ فقال :
المركبُ نام إلى الأبد
فاذرف عبراتك يا ولدي!
فدموع النّاس
على الأموات صلاةٌ!
ولنا، ولغاندي
أن نتمسك بالحلم
لندحر هذي الظّلمات!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ناقش مذكرة تتضمن توجهات السياسة الاقتصادية للمرحلة المقبلة.. مجلس الوزراء يوافق على إحداث شعبة الانضباط المدرسي ضمن المعاهد الرياضية "ملزمة التعيين" وزارة الدفاع: قواتنا المسلحة تستهدف آليات وعربات للإرهابيين وتدمرها وتقضي على من فيها باتجاه ريف إدلب الجنوبي مشاركة سورية في البطولة العالمية للمناظرات المدرسية بصربيا القاضي مراد: إعادة الانتخابات في عدد من المراكز في درعا وحماة واللاذقية «لوجود مخالفات» غموض مشبوه يشحن الأميركيين بمزيد من الغضب والتشكيك والاتهامات.. هل بات ترامب أقرب إلى البيت الأبيض أم إن الأيام المقبلة سيكون لها قول آخر؟ حملة تموينية لضبط إنتاج الخبز في الحسكة.. المؤسسات المعنية في الحسكة تنتفض بوجه الأفران العامة والخاصة منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج «الصحة» تطلق الأحد القادم حملة متابعة الأطفال المتسرّبين وتعزيز اللقاح الروتيني دمّر الأجور تماماً.. التضخم لص صامت يسلب عيش حياة كريمة لأولئك الذين لم تواكب رواتبهم هذه الارتفاعات إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية.. أكاديمي يشجع على العودة نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» لتحقيق التوازن بين البعد الاجتماعي والاقتصادي