منحة جيولوجية ومسار تصاعدي.. بوادر لانتقال صناعة الأحجار الكريمة من شرق آسيا إلى دول الخليج
تشرين- رصد:
بجذورها الضاربة في أعماق التاريخ، تعد صناعة الأحجار الكريمة من أقدم الصناعات في العالم. وعبر القرون أسهم جمالها الطبيعي وألوانها الجذابة في منحها قيمة عالية في المجتمعات المختلفة، فباتت أحد أحجار الزاوية في صناعة المجوهرات.
اليوم تتجاوز أهميتها مظهرها الجذاب المعتاد، فأضحت مسهما بارزًا في الاقتصاد العالمي سواء بقيمتها السوقية أو بتوفير فرص عمل لملايين الأشخاص عبر التعدين، التصنيع، والتسويق.
وبحسب تجار تحدثوا لـ”وكالات”، تشير التقديرات إلى أنّ أسعار الأحجار الكريمة لم تصمد فقط أمام التحديات المختلفة في الأسواق، بل يُتوقع أن يظل الطلب عليها مرتفعًا حتى نهاية العقد، ما يبشر بمسار تصاعدي في المستقبل.
من جانبه، قال ال.دي ستيوارت، تاجر ومستورد للأحجار الكريمة: إن قيمة الإنتاج العالمي يقدر العام الماضي بما يتراوح بين 25 – 34 مليار دولار، وتتركز عملية الإنتاج في الهند والصين والبرازيل وروسيا وبعض البلدان الأفريقية، بينما يتوقع أن تصل المبيعات إلى 56 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي يبلغ 5.6 %.
وأضاف: إن “المستهلكين يتجهون الآن إلى الياقوت والزمرد والصفير، في ظل تراجع أسعار الماس بسبب انتشار الماس المصنع في المختبرات”.
ستيوارت أوضح “الترويج للأحجار الكريمة من شخصيات عالمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ورغبة المستهلك في حيازة مجوهرات تتسم بالتفرد والتميز في التصميم، ترجح أن يحافظ الطلب على زخمه الحالي وحتى منتصف العقد المقبل”.
وكان للتقارب الزمني لجائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني تأثير عميق في السوق، فبينما دفعت الجائحة شركات الأحجار الكريمة إلى تبني المنصات الرقمية في عملية التسويق، أثرت الحرب في سلاسل الإمداد والأسعار.
من جانبها، ذكرت جاسيكا دين، المحللة المالية في بورصة لندن للمعادن، أنّ زيادة الطلب أوجدت منافسة شديدة بين البائعين، والنتيجة ظهور مشكلة نقص الأحجار الكريمة عالية الجودة، وعودة التعدين غير الشرعي، كما أن الأحجار المصنعة تقدم بديلًا أرخص للأحجار الطبيعية، ما يزيد من عمليات الغش.
وأشارت إلى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تظل أكبر الأسواق وتستحوذ على نحو 50 % من السوق العالمية بسبب التقاليد الثقافية والهدايا الفاخرة في الزواج.
دين نوهت بأن سوقي الولايات المتحدة وأوروبا، تمتلكان حصة تسويقية تبلغ 25 % و15 % على التوالي، لتميزهما بحيوية كبيرة في الطلب على الأحجار الفاخرة تحديدًا، وسط ضوابط تنظيمية تقلل من عمليات الغش التجاري مقارنة بالأسواق الآسيوية.
من ناحيته، قال روجر شارما عضو الاتحاد الأوروبي والدولي للأحجار الطبيعية: إنّ “السعودية والإمارات تمتلكان حصصًا تسويقية تراوح بين 5 و10 % في منطقة الشرق الأوسط، بفضل الاقتصاد القوي والطلب المرتفع على المجوهرات الفاخرة.” مع هذا يرصد روجر شارما، تحولًا في أنماط الاستثمار في سوق الأحجار الكريمة الآسيوي في السنوات الأخيرة.
وذكر أن “هناك بوادر لتعاون بين بعض المستثمرين في منطقة الخليج والمنتجين في آسيا وتحديدًا في الهند والصين وتايلاند، ربما يساعد ذلك في الحفاظ على قوة الدفع الراهنة في الأسواق”.
وأشار إلى أنّ الهند تمتلك سوقًا تقدر بنحو 10 إلى 15 مليار دولار، والصين بين 8 إلى 12 مليار دولار، لكن يمكن لهذا النوع من التعاون الاستثماري إذا ما استمر بشكل متواصل لعدد من السنوات بين الطرفين، أن يحدث تغيرات في طبيعة القوى المستقبلية التي ستهيمن على الصناعة.
وأضاف، بالطبع ستظل الدول في جنوب آسيا وشرقها منتج رئيس، لأّن الأحجار الكريمة منحة جيولوجية في نهاية المطاف، ولكن يمكن أن تنتقل عملية التصنيع والتصميم إلى بلدان الخليج، وتلك الشراكة الثنائية يمكن أن يكون لها تأثير جوهري في طبيعة الطلب العالمي.