إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية.. أكاديمي يشجع على العودة نحو «اقتصاد السوق الاجتماعي» لتحقيق التوازن بين البعد الاجتماعي والاقتصادي
تشرين – منال صافي:
عاد النقاش مجددًا حول مصطلح “اقتصاد السوق الاجتماعي” وإمكانية تطبيقه على أرض الواقع في سورية، وتضاربت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا النموذج، ليبقى السؤال: هل التوجه نحوه يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني؟ وما هي متطلبات وشروط تحقيق هذا النهج؟
المشكلة بالتطبيق
يجيب الدكتور علي ميا أستاذ الإدارة الإستراتيجية في كلية الاقتصاد أنه من الأخطاء الشائعة لدى البعض أن تبني هذا النموذج الاقتصادي الاجتماعي هو المسؤول عن تراجع الإنتاج وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وبالتالي انهيار قيمة الليرة السورية أمام العملات الصعبة، لكن المشكلة لا تكمن في تبني هذا النموذج بالدرجة الأولى، وإنما المشكلة الحقيقية بعدم الجدية في تطبيقه وتوفير البيئة التشريعية والتنمية اللازمة لنجاح الانتقال التدريجي لتطبيقه.
ميّا: على الرغم من أنَّ تبني هذا النموذج قد تمَّ إقراره في المؤتمر القطري العاشر عام ٢٠٠٥ لكنَّ تطبيق هذا النموذج بقي شعاراً نظرياً تتقاذفه رياح التنظير
ويضيف ميا: على الرغم من أنَّ تبني هذا النموذج قد تمَّ إقراره في المؤتمر القطري العاشر عام ٢٠٠٥ من خلال بيانه الختامي والذي نصَّ صراحة على أن التنمية الشاملة هي مسؤولية وطنية للدولة والمجتمع ولجميع الفعاليات الاقتصادية العامة والخاصة، لكن تطبيق هذا النموذج بقي شعاراً نظرياً تتقاذفه رياح التنظير، وبعد الأزمة رأى فيه البعض طريقًا للخلاص من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب الإرهابية الكونية الظالمة منذ ثلاثة عشر عامًا ونيف، ولاسيما أنه يشكل طريقاً ثالثاً، ما بين الرأسمالية والاجتماعية، فهو يرفض الرأسمالية المطلقة التي تمنع تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية، كما أنه يرفض أيضًا الاشتراكية الثوريه التي لا تقر بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات، فهو يقرُّ بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع ضوابط لتحقيق منافسة عادلة وتخفيض معدلات التضخم والبطالة وتوفير العدالة في توزيع الناتج القومي وإعادة توزيع الثروة بين كافة شرائح المجمتع.
تجارب دولية
وأشار الدكتور ميا إلى أن تطبيق هذا النموذج حقق نتائج رائعة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للعديد من الدول التي سبقتنا لتطبيقه مثل ألمانيا والنمسا والصين وغيرها، وتمَّ الاعتراف به نتيجة لذلك كنموذج يتمتع بجاذبية كبيرة على المستوى الدولي ولاسيما بعد أن حقق لألمانيا انتعاشًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا مكّنها بغضون عشر سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ من تحقيق ما يسمى بالمعجزة الألمانية والتفوق على بريطانيا عام ١٩٥٥، علماً أن ألمانيا خرجت من الحرب مدمرة تدميراً كاملاً.
كما لفت أستاذ الإدارة الإستراتيجية إلى أنه انطلاقاً من أهمية هذا النموذج ودوره في تحقيق التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي للتنمية فقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، في اجتماع اللجنة المركزية للحزب في شهر أيار الماضي، صوابية اختيار هذا النموذج في التنمية بهدف إرساء القواعد لنظام اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحرية الاقتصادية لتحقيق الاندماج باقتصاد السوق واقتصاديات الدول المجاورة بشكل أوسع من جهة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية لجميع أفراد المجتمع وتشجيع المسؤولية لجميع الأفراد والفعاليات الاقتصادية الخاصة والعامة.
متطلبات وشروط
الدكتور ميا نوه بأن تحقيق هذا النموذج يتطلب القيام بتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية المناسبة للانتقال التدريجي لتطبيق هذا النظام وإخراجه من مجرد “حبر على ورق” إلى حيز الواقع المادي من خلال إعادة رسم الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للدولة والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي وتحديد أولويات المجتمع السوري بمختلف شرائحه وفق الإمكانات المتاحة، والقيام بإصلاح إداري واقتصادي شامل، يبدأ بمكافحة الفساد ويحدُّ من الروتين والتعقيد وكافة مظاهر البيروقراطية في التحكم بالقرار الاقتصادي، وضرورة استعادة الدولة لدورها المتنامي في تحقيق عملية التنمية أي مسؤوليتها في قيادة عملية التنمية والتخطيط لها لضمان التوازن بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي لها، وتحديد الأولويات مع الشركاء الاجتماعيين لتحقيق المشاركة الفعالة لجميع شرائح المجتمع لجعل السوق أكثر اجتماعية، وبناء مؤسسات السوق التي تعبّر عن المشاركة الفعّالة في قيادة الاقتصاد الوطني لضبط عمل السوق وآلياته وتوجيهها بعيدًا عن عمليات الغش والاحتكار.
كما أشار ميا إلى أهمية إصلاح القطاع الخاص ومنحه الأمان الحقيقي من خلال التأكيد على حق الملكية الفردية من خلال تحديد هوية الاقتصاد السوري في الدستور السوري من اقتصاد اشتراكي مخطط إلى اقتصاد السوق الاجتماعي وفق مقررات المؤتمر القطري العاشر وخطاب السيد الرئيس في اجتماع اللجنة المركزية الأخير، إضافة لإجراء مراجعة شاملة لكافة الأنظمة والقوانين والتشريعات القائمة والمتعلقة بالعمل التجاري والاستثماري وأنظمة التصدير والاستيراد والقطع الأجنبي وإلغاء قانون التجريم بالتعامل بالدولار، وتوحيد أسعار القطع وإصدار التشريعات اللازمة لتشجيع المنافسة الشريفة بين كافة القطاعات ومنع الاحتكار.